كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

وأنهم لتطويلهم المفرط وكثرة استكشافهم، ما كادوا يذبحونها، وما كادت تنتهي سؤالاتهم، وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها وتعمقهم. وقيل: وما كادوا يذبحونها لغلاء ثمنها. وقيل: لخوف الفضيحة في ظهور القاتل. وروى أنه كان في بنى إسرائيل شيخ صالح له عجِلة فأتى بها الغيضة وقال: اللهم إنى أستودعكها لابنى حتى يكبر، وكان براً بوالديه، فشبت وكانت من أحسن البقر وأسمنه، فساوموها اليتيم وأمّه حتى اشتروها بملء مسكها ذهباً، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة. فإن قلت: كانت البقرة التي تناولها الأمر بقرة من شق البقر غير مخصوصة، ثم انقلبت مخصوصة بلون وصفات، فذبحوا المخصوصة، فما فعل الأمر الأوّل؟ قلت: رجع منسوخا لانتقال الحكم إلى البقرة المخصوصة، والنسخ قبل الفعل جائز. على أنّ الخطاب كان لإبهامه متناولا لهذه البقرة الموصوفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ما كاد ينقطع خيط إسهابهم) خيط إسهابهم استعارة، وينقطع ترشيح لها. قال القاضي: "كاد" من أفعال المقاربة، وضع لدنو الخبر حصولاً، وإذا دخل عليه النفي فالصحيح أنه كسائر الأفعال، ولا ينافي قوله: (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة: 71] قوله: (فَذَبَحُوهَا) لاختلاف وقتيهما، إذ المعنى ما قاربوا أن يفعلوا حتى انقطعت سؤالاتهم، وانتهت تعللاتهم، ففعلوا كالمضطر الملجأ.
قلت: يدفعه فاء الفصيحة كما سيجيء.
قوله: (وكان براً بوالديه) والظاهر أن الابن بر بوالديه.
قوله: (من شق البقر)، الأساس: خذ من شق الثياب: من عرضها ولا تختر.
قوله: (على أن الخطاب) أي: أقول: إن الأمر الأول رجع منسوخاً مع جواز القول بأن الأمر الأول ثابت، وقضية النسخ المخالفة بين الناسخ والمنسوخ.

الصفحة 530