كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

كما تناول غيرها. ولو وقع الذبح عليها بحكم الخطاب قبل التخصيص لكان امتثالا له، فكذلك إذا وقع عليها بعد التخصيص (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) خوطبت الجماعة لوجود القتل فيهم (فَادَّارَاتُمْ) فاختلفتم واختصمتم في شأنها، ........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: الفرق بين الوجهين هو: أنه لما نظر إلى نفس الحكم، وأنه ورد على السعة والتخيير، ثم انقلب إلى التعيين، جعل الثاني ناسخاً، ولما اعتبر اللفظ وإبهامه، أي: إطلاقه وشيوعه في جنسه، جعله كالعام المتناول لهذه البقرة الموصوفة ولغيرها ثم خصصه، والمخصص إذا تأخر عن العام لا يكون ناسخاً بالاتفاق.
وإنما قلنا: كالعام لأن اسم الجنس إذا كان معرفاً باللام، أو بالإضافة، أو كان نكرة في سياق النفي، يفيد العموم، وهذه ليست كذلك. ونقل عن أبي منصور الماتريدي رحمه الله أنه قال: الأمر بالذبح في الابتداء على مآل الأمر، ولكنهم أمروا بالسؤال عنها، والبحث عن أحوالها؛ ليصلوا إلى ما هو المراد بالأمر، لا أنه تعالى أحدث لهم ذلك بالسؤال الذي ذكروا.
وقال القاضي: عود الكنايات في قوله تعالى: (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) [البقرة: 68] وإجراء تلك الصفات يدل على أن المراد بها معينة، ويلزمه تأخير البيان، ومن أنكر ذلك زعم أن المراد بها بقرة من شق البقر غير مخصوصة، ثم انقلبت مخصوصة بسؤالهم، ويلزمه النسخ قبل الفعل، فإن التخصيص إبطال للتخيير الثابت بالنص، والحق جوازهما، ويؤيد الرأي الثاني ظاهر اللفظ، وتقريعهم بالتمادي، وزجرهم على المراجعة بقوله: (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) [البقرة: 68].

الصفحة 531