كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: المعنى يساعد القول بأن هذه القضية كانت من باب الحكم عقيب العلم بصفة المحكوم عليه عند القائل، كما تقتضيه قصة الشيخ، واستيداعه البقرة عند الله، وإن عارضه الحديث الضعيف: "لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم"؛ لأن عود الكنايات كما قال القاضي، لاسيما مراراً ثلاثاً، وبناء اسم البقرة على المسند إليه بعد الوصف، مبني على أن الجواب عن البيان، كأنه قيل: المأمور بذبحها هذه البقرة الموصوفة، لما تقرر في علم البيان أن في إيقاع الخبر نفس المبتدأ إيذاناً بأن القصد في الكلام نفس المبتدأ، وأن الخبر لتعيينه، وذلك أنهم تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا، فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشأن، الخارجة عما عليه البقر، فأعيدت في الجواب وبني عليها الوصف، وإلى هذا المعنى أشار الشيخ أبو منصور: أمروا بالسؤال عنها والبحث عن أحوالها؛ ليصلوا إلى ما هو المراد من الأمر. وقد سبق أن معنى الجنس في قراءة العامة (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) [البقرة: 70] وقراءة ذي الشامة "إن الباقر" دل على أن الأسئلة صدرت عن تكشف حال البقرة، وعند الكشف التام (قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ). وأيضاً إن الفاء في قوله: (فَذَبَحُوهَا) كما قدرها المصنف- فصيحة- آذنت بأنهم سارعوا في الذبح ولم يتوقف امتثالهم أمر الله عند التمييز التام لمحة كما نص عليه في الأعراف عند قوله: (أَنْ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ) [الأعراف: 160].
فإن قلت: هذا معارض بقوله: (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) وقوله: (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) لما دل ذلك على تثاقلهم وتثبطهم في الامتثال.

الصفحة 532