كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضاً، أى يدفعه ويزحمه. أو تدافعتم، بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض، فدفع المطروح عليه الطارح. أو لأنّ الطرح في نفسه دفع. أو دفع بعضكم بعضاً عن البراءة واتهمه (وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) مظهر لا محالة .....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: وجه الجمع أن يقال: سارعوا في امتثال أمر الله عند ظهور الحق، والحال أن بشريتهم، وهي خوف الفضيحة، دعت إلى أن يمتنعوا من ذلك، وتلخيصه: رجحوا جانب الله على جانبهم. ووجه آخر: (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) قبل تبين الحال، فاختلف الجهتان على التقديرين.
قوله: (لأن المتخاصمين يدرأ) تعليل لوجه الكناية في قوله: (فَادَّارَاتُمْ) [البقرة: 72] بمعنى اختصمتم؛ لأن الدرأ لازم الخصومة.
قوله: (فدفع المطروح) الفاء مثلها في قوله تعالى: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [البقرة: 54]، فهو كالتعليل للتفسير، ولهذا عطف عليه قوله: "أو لأن الطرح في نفسه دفع"، والفرق أن الطارح في الأول لا يصير دافعاً إلا بعد دفع المطروح عليه، بخلاف الثاني، فإنه دافع ابتداء لما يلزم من طرحه دفعه عن نفسه، وعلى الوجوه الثلاثة كناية.
قوله: (أو دفع بعضكم بعضاً عن البراءة) عطف على "طرح قتلها" وذلك بأن يقول صاحبه: أنت متهم ولست ببريء، فالمدفوع البراءة من الجانبين.
قوله: (مظهر لا محالة) يعني: دل بناء اسم الفاعل، وهو مخرج على المبتدأ، على الثبات وتوكيد الحكم، وهذا عندنا بحسب التفضل والكرم، وعند المعتزلة لرعاية الأصلح؛ لأن الاختلاف في باب القتل يؤدي إلى الفساد والفتنة، وهو خلاف إرادته تعالى، قال الله تعالى: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 205].

الصفحة 533