كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

إما أن يكون خطابا للذين حضروا حياة القتيل بمعنى وقلنا لهم: كذلك يحيى اللَّه الموتى يوم القيامة، (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ)
ودلائله على أنه قادر على كل شيء؛ (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ): تعملون على قضية عقولكم. وأن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلها لعدم الاختصاص حتى لا تنكروا البعث. وإما أن يكون خطابا للمنكرين في زمن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فإن قلت: هلا أحياه ابتداء؟ ولم شرط في إحيائه ذبح البقرة وضربه ببعضها؟ قلت: في الأسباب والشروط حكم وفوائد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإما أن يكون خطاباً للمنكرين) فعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير القول، وكاف الخطاب في قوله تعالى: (كَذَلِكَ) [البقرة: 73] نحو الخطاب في قوله:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وذلك لأن أمر إحياء الموتى عظيم، يجب أن يخاطب كل من يصح أن يخاطب ويتأتى منه الاستماع، فيدخل هؤلاء فيه دخولاً أولياً: يدل عليه قوله: (وَيُرِيكُمْ).
قوله: (في الأسباب والشروط حكم وفوائد) تمهيد للجواب. والجواب: "وإنما شرط ذلك"، وقوله: "وما في التشديد عليهم" عطف على قوله: "ما في ذبح البقرة" بدون لام التعليل. وقوله: "وليعلم" عطف على قوله "لما في ذبح البقرة" مع اللام. وفي هذا الاختلاف من العطف إيذان بأن في الشرط فائدتين: إحداهما: عملية، وثانيتهما اعتقادية. والأولى: إما عامة في نفس الذبح فيهم وفي غيرهم، أو خاصة بتلك القصة، أي: ناشئة منها. أما الاعتقاد فهو المراد بقوله: "ليعلم بما أمر من مس الميتِ بالميتِ، وحصول الحياة عقيبه، أن المؤثر هو المسبب". أما الفائدة العامة فهي ما ذكره من "التقرب وأداء التكليف واكتساب الثواب"، وأما الخاصة بذلك الذبح فهي قوله: "من اللطف لهم ولآخرين في ترك التشديد والمسارعة" إلى آخره. وفي قول المصنف: "إن المؤثر هو المسبب لا الأسباب" إبطال لمذهبه في كثير من المواضع.

الصفحة 535