كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

وإنما شرط ذلك لما في ذبح البقرة من التقرّب وأداء التكاليف واكتساب الثواب والإشعار بحسن تقديم القربة على الطلب، وما في التشديد عليهم لتشديدهم من اللطف لهم، ولآخرين في ترك التشديد والمسارعة إلى امتثال أوامر اللَّه تعالى وارتسامها على الفور، من غير تفتيش وتكثير سؤال، ونفع اليتيم بالتجارة الرابحة، والدلالة على بركة البرّ بالوالدين، والشفقة على الأولاد، وتجهيل الهازئ بما لا يعلم كنهه ولا يطلع على حقيقته من كلام الحكماء، وبيان أنّ من حق المتقرّب إلى ربه أن يتنوّق في اختيار ما يتقرب به،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (المسارعة) عطف على قوله: "ترك التشديد".
قوله: (والدلالة على بركة البر بالوالدين والشفقة على الأولاد). أما البر فقوله فيما سبق: "وكان براً بوالديه"، وأما الشفقة فقوله: "اللهم إني أستودعكها لابني".
قوله: (وتجهيل الهازئ) أي: لما في التشديد عليهم لأجل تشديدهم تجهيل للهازئ. يعني: لما شددوا على أنفسهم وقالوا: (أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً) [البقرة: 67] أجيبوا بقوله: (أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ) فعلم تجهيل الهازئ، وأن الهازئ: من لا يعلم كنه كلام الحكماء. فيه تعريض بأنه عالم بما يقول الحكماء وأنه حكيم.
قوله: (أن يتنوق). تنوق في الأمر: تأنق فيه. وعمله بنيقة، أي: باشر فيه وأتمه بحذاقة. قال الحريري في "درة الغواص في أوهاهم الخواص": تنوق في الشيء، والأفصح تأنق كما روي للمنصور رحمه الله:
تأنقت في الإحسان لم آل جاهداً ... إلى ابن أبي ليلى فصيره ذما
فوالله ما آسى على فوت شكره ... ولكن فوت الرأي أحدث لي هما
واشتقاقه من الأنق وهو الإعجاب بالشيء.

الصفحة 536