كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

في الجسمين لا يعقل أن تتولد منهما حياة. فإن قلت: فما للقصة لم تقص على ترتيبها، وكان حقها أن يقدّم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها، وأن يقال: وإذ قتلتم نفسا فادّارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها؟ قلت: كل ما قص من قصص بنى إسرائيل إنما قص تعديداً لما وجد منهم من الجنايات، وتقريعاً لهم عليها، ولما جدّد فيهم من الآيات العظام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فما للقصة لم تقص) إلى آخره، قيل: فيه نظر، لأنه قال: "الأصل أن يقدم ذكر القتل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها"، وحقه أن يقال: أن يقدم ذكر القتيل والأمر بالذبح على الأمر بضرب بعضها، كما قدره آخراً في السؤال.
وأجيب: أن المراد أن هذه الآية التي ذكر فيها ذكر القتيل والضرب كان من حقها أن تقدم على الآية التي ذكر فيها الأمر بالذبح.
فإن قلت: الإشكال باق؛ لأن القصة بجملتها لا يجوز تقديمها على تلك القصة، فإن فيها الأمر بالضرب، وهو متأخر عن الأمر بالذبح.
قلت: بل القصة مستقلة في الدلالة ولابد من إضمار: "اذبحوا" سواء قدمتها أو أخرتها؛ لأنها محتوية إجمالاً على القصة بتمامها مع قرب طرفيها، ففتحت بذكر القتل، وختمت بإحياء القتيل، ووسطت بضرب المذبوح، ومع ذلك ما أجمل فيها من التنبيه على ما أضمر اعتراضاً واستطراداً، فقوله: (وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة: 72] اعتراض بين المعطوفين، فدل به على التقريع ونبه به على تقدير ما يحصل به ذلك الإخراج من الأمر بالذبح، وقوله: (كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى) [البقرة: 73] استطراد عبر به عن الاقتدار على البعث، ونبه به على حصول إحياء القتيل. وقوله: (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 73] تذييل وتنبيه غب تنبيه، وتقريع بعد تقريع، فحينئذ تقرير الآية: وغذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها، فقلنا: اذبحوا بقرة، واضربوه ببعضها، فذبحتم وضربتم به فأحيا الله القتيل، فأخبركم بقاتله، وقلنا: كذلك يحيي الله الموتى.

الصفحة 538