كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

والثانية للتقريع على قتل النفس المحرّمة وما يتبعه من الآية العظيمة. وإنما قدّمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة، ولذهب الغرض في تثنية التقريع. ولقد روعيت نكتة بعد ما استؤنفت الثانية استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى، دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله: (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها)؛ حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع وتثنيته بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها، وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة.
[(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) 74].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة) هو الجواب، والسابق كالمقدمة والتمهيد له لئلا يلزم التكرار.
قوله: (ولقد روعيت) عطف على قوله "قدمت"، وقوله: "أن وصلت" بدل من "نكتة".
وقوله: (بضمير البقرة) متعلق "بوصلت"، و"دلالة": مفعول له لقوله: "أن وصلت" قدم المفعول له على متعلق الفعل للاهتمام، وإنما جيء بقوله: "ولقد روعيت" بلام القسم ليؤكد به ما قصده في الجواب، يريد: الذي يؤكد ما ذهبنا إليه من جعل القصة الواحدة قصتين اعتبار العائد، وإليه الإشارة بقوله: "حتى يتبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع" إلى آخره.
فإن قلت: اسم البقرة كالضمير في الاتصال، بل هو أشد اتصالاً منه إذا جيء به معرفاً باللام؛ لأن المعرف باللام إذا أعيد كان عين الأول.
قلت: نعم، لكن الربط بالمضمر ألصق لاستقلال المظهر.

الصفحة 540