كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

معنى (ثُمَّ قَسَتْ): استبعاد القسوة من بعد ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها ونحوه: (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) [الأنعام: 2].
وصفة القلوب بالقسوة والغلظ مثل لنبوّها عن الاعتبار وأنّ المواعظ لا تؤثر فيها. وذلِكَ إشارة إلى إحياء القتيل، أو إلى جميع ما تقدّم من الآيات المعدودة (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ): فهي في قسوتها مثل الحجارة (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) منها، و (أشد) معطوف على الكاف، إما على معنى أو مثل أشد قسوة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وتعضده قراءة الأعمش بنصب الدال عطفاً على الحجارة. وإما على: أو هي أنفسها أشدّ قسوة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (معنى (ثُمَّ قَسَتْ) استبعاد) يعني: ثم موضوعة للتراخي في الزمان، وهنا مجاز للاستبعاد؛ لأن قسوة قلوبهم لم تتجدد بعد زمان، فهو نحو قولك لصاحبك: وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها! يعني: يبعد من العاقل ارتكاب هذا المحذور بعد حصول ما ينافيه، ويقلعه من الآيات البينات المذكورة فيما سبق.
قوله: (مثل لنبوها عن الاعتبار) أي: قست قلوبهم: استعارة تبعية واقعة على سبيل التمثيل، شبهت حالة قلوبهم، وهي نبوها عن الاعتبار، بحالة قسوة الحجارة في أنها لا يجدي فيها لطف العمل.
قوله: (بنصب الدال) أي: بفتحها؛ لأنه مجرور، قال الزجاج: من قرأ (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) بالرفع فعلى: أو هي في نفسها أشد قسوة، ومن نصب فهو خفض في الأصل بمعنى الكاف، و"أشد" أفعل لا ينصرف، وهو نعت ففتح، وهو في موضع جر.
قوله: (وإما على: أو هي في نفسها أشد) يعني: (أَشَدُّ) مرفوع، وهو عطف على

الصفحة 541