كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

والمعنى: أن من عرف حالها شبهها بالحجارة، أو بجوهر أقسى منها وهو الحديد مثلاً. أو من عرفها شبهها بالحجارة، أو قال: هي أقسى من الحجارة. فإن قلت: لم قيل: أشد قسوة، وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل وفعل التعجب؟ قلت: لكونه أبين وأدلّ على فرط القسوة. ووجه آخر، وهو أن لا يقصد معنى الأقسى، .........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاف، إما على تقدير مثل، ومعنى قراءة الأعمش سواء في أن المراد قلوبهم مشبهة بجواهر أقسى من الحجارة، أو لا يقدر الشيء، فيكون المعنى: هي أقسى من الحجارة فلا يكون تشبيهاً، ولذلك قال: "أو قال"، ففي الكلام لف ونشر.
قوله: (والمعنى أن من عرف حالها شبهها) إلى آخره. وإنما أخرج الكلام مخرج الشرطية ليؤذن بأن مرجع الشك إلى الناس؛ لأن الله تعالى لا يشك، كقوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات: 147]. ولو حمل "أو" على معنى "بل" نحو ما أنشده الجوهري:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أو أنت في العين أملح
كان أحسن التئاماً مع قوله: (وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ) الآية [البقرة: 74]، من التردد في التشبيه. وكيف وقد قال هو: "تقرير لقوله (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) "؟
قوله: (وهو أن لا يقصد معنى الأقسى)، اعلم أن الأصل في "أفعل" التفضيل أن يبنى من ثلاثي مجرد ليس بلون ولا عيب، وإذا قصد ذلك فيما ليس كذلك توصل بمثل أشد ضرورة، ولا ضرورة في الآية إلى التوصل به لاستقامة بيانه من القسوة. ولابد في هذا الإطناب في كلام الله المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من فائدة، وهي: إما أن يجاء به لمزيد البيان والتوضيح، وإليه أشار بقوله: "لكونه أبين وأدل على فرط القسوة"،

الصفحة 542