كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

ولكن قصد وصف القسوة بالشدة، كأنه قيل: اشتدت قسوة الحجارة، وقلوبهم أشدّ قسوة. وقرئ: قساوة. وترك ضمير المفضل عليه لعدم الإلباس، كقولك: زيد كريم وعمرو أكرم.
وقوله (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ): بيان لفضل قلوبهم على الحجارة في شدّة القسوة، وتقرير لقوله: (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً). وقرئ «وإن» بالتخفيف، وهي «إن» المخففة من الثقيلة التي تلزمها اللام الفارقة. ومنها قوله تعالى: (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) [يس: 32]. والتفجر: التفتح بالسعة والكثرة. وقرأ مالك بن دينار (ينفجر) بالنون. يَشَّقَّقُ يتشقق. وبه قرأ الأعمش ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإما أن يقصد معنى الاشتراك في الشدة نفسها، والتأويل بما قال: "اشتدت قسوة الحجارة وقلوبهم أشد قسوة"، فظهر أن إتيان "أشد" في قولك: ما أشد حمرته! لمجرد التوصل إلى البناء، فلا يكون مقصوداً بالذات، بخلافه في الآية، فإنه مقصود بذاته، ولذلك قال: "لا يقصد معنى الأقسى، لكن قصد وصف القسوة بالشد"، ويندفع بهذا إيراد صاحب "التقريب": في قوله: "اشتدت قسوة الحجارة وقلوبهم أشد قسوة" نظر؛ لأن أشد لو كان محمولاً على القسوة أفاد هذا، ولكنه محمول على القلوب، فيفيد أن قلوبهم أشد قسوة لا أن قسوتها أشد قسوة، وإن أراد أنهما اشتركا في شدة القسوة، وهي أزيد في الشدة، فلا يفيده هذا اللفظ، لأن معناه: أن قسوتها أشد، لا أن شدة قسوتها أزيد، وإنما كان يفيده لو قال: فهي أزيد شدة قسوة.
قوله: ((وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ) بيان لفضل قلوبهم على الحجارة)، فالواو في قوله: (وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ) عطفت البيان على المبين، والأولى أنها استئنافية، والجملة كما هي مذيلة للتشبيه كقوله تعالى: (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) [النساء: 125]، والدليل على كونها مذيلة قوله: "وتقرير"؛ لأن المذيلة كالمعترضة مؤكدة، وسيجيء في "الأنعام" أن التأكيد أيضاً نوع بيان، ويجوز أن تكون الواو للحال من الحجارة في قوله: "كالحجارة"، أو من المقدرة في قوله: (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) وهو منها.

الصفحة 543