كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

جعلوا محاجتهم به، وقولهم هو في كتابكم هكذا محاجة عند اللَّه. ألا تراك تقول: هو في كتاب اللَّه هكذا. وهو عند اللَّه هكذا، بمعنى واحد (يَعْلَمُ) جميع (ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)، ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان.
[(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ* فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)].
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ): التوراة (إِلَّا أَمانِيَّ): إلا ما هم عليه من أمانيهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متعلق بـ "يحاجوكم" إن أريد بـ "عند ربكم" يوم القيامة. وقال القاضي: في الثاني نظر؛ لأن الإخفاء لا يدفعه.
قوله: (جعلوا محاجتهم به) أي: جعل اليهود محاجة المسلمين بما فتح الله عليهم محاجة عند الله. يعني إذا قال المسلمون: "هو في كتابكم هكذا"، كأنهم قالوا: "هو عند الله كذا" وهما بمعنى واحد من حيث المؤدى لا المبالغة؛ لأن الثاني أبلغ لأنك فيه تصحح أن ما في الكتاب ثبت وصح، وأنه كلام الله ونازل من عنده، فالحكم به كالحكم بين يدي الله. وروي عن الأنباري أنه قال: (عِنْدَ رَبِّكُمْ) معناه: في حكم ربكم، كما تقول: هذا حلال عند أبي حنيفة، أي: في حكمه، والمعنى: ليكون لهم حجة عند الله في الدنيا والآخرة.
قوله: ((أُمِّيُّونَ) لا يحسنون الكتب)، قال الزجاج: أمي منسوب إلى ما عليه جبلة أمه، أي: لا يكتب، فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه.

الصفحة 548