كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

والاشتقاق من منى إذا قدّر، لأن المتمنى يقدّر في نفسه ويحزر ما يتمناه، وكذلك المختلق والقارئ يقدر أن كلمة كذا بعد كذا. و (إلا أمانىّ) من الاستثناء المنقطع. وقرئ: (أمانى) بالتخفيف. ذكر العلماء الذين عاندوا بالتحريف مع العلم والاستيقان، ثم العوامّ الذين قلدوهم، ونبه على أنهم في الضلال سواء، لأن العالم عليه أن يعمل بعلمه، وعلى العامي أن لا يرضى بالتقليد والظن وهو متمكن من العلم. (يَكْتُبُونَ الْكِتابَ) المحرّف (بِأَيْدِيهِمْ) تأكيد، وهو من محاز التأكيد، كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه: يا هذا كتبته بيمينك هذه. مِمَّا يَكْسِبُونَ من الرُّشا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (من الاستثناء المنقطع). فإن قلت: لم لا يجوز أن يقدر ليعلمون مفعولاً ثانياً، فيكون متصلاً؟
قلت: لا يجوز؛ لأن قوله: (لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ) بيان لقوله: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ)، أي: أميون لا معرفة لهم بالكتاب.
قوله: (العلماء الذين عاندوا) شروع في بيان نظم الآيات. يعني: أن الله تعالى أنكر على المسلمين طمعهم في إيمان اليهود بقوله: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) [البقرة: 75]، ثم قسمهم فرقتين بعثاً على رفع الطمع عنهم، لكونهما في الضلال سواء: الفرقة الأولى: العلماء الذين عاندوا وحرفوا مع العلم والاستيقان، وهو المراد بقوله تعالى: (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) [البقرة: 75]، والفرقة الأخرى: العوام الذين قلدوهم، وهو المراد بقوله: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ) [البقرة: 78]، ثم نبه على التعليل لرفع الطمع بقوله: (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
وقوله: (وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) يعني لا يطمع في أحد منهم، لأنهم في الضلال سواء، ويجوز أن يجعل الضمير في "يظنون" للفريقين، فنفى عن العلماء العلم في قوله: "أو لا يعلمون" على

الصفحة 550