كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(لا تَعْبُدُونَ): إخبار في معنى النهى، كما تقول: تذهب إلى فلان تقول له كذا، تريد الأمر، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهى، لأنه كأنه سورع إلى الامتثال والانتهاء، فهو يخبر عنه وتنصره قراءة عبد اللَّه وأبىّ (لا تعبدوا) ولا بدّ من إرادة القول، ويدل عليه أيضاً قوله: (وَقُولُوا).
وقوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) إما أن يقدّر: وتحسنون بالوالدين إحسانا. أو وأحسنوا. وقيل: هو جواب قوله: (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) إجراء له مجرى القسم، كأنه قيل: وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون. وقيل: معناه أن لا تعبدوا، فلما حذفت «أن» رفع، كقوله: .......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويدل عليه أيضاً) أي: على أن الإخبار في معنى النهي، عطف قوله: "قولوا" عليه وهو أمر؛ لأن المناسب أن يعطف إنشائي على إنشائي أو ما في معناه.
قوله: (وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون)، قال أبو البقاء: في إعراب (لا تَعْبُدُونَ) وجوه: أحدها: أنه جواب قسم دل عليه المعنى، أي: أحلفناهم أو قلنا لهم: بالله لا تعبدون، وثانيها: أن مراده أي: أخذنا ميثاق بني إسرائيل على أن لا تعبدوا إلا الله، فحذف حرف الجر ثم حذف "أن" فارتفع الفعل، وثالثها: نصب على الحال، أي: أخذنا ميثاقهم موحدين، وهي حال مصاحبة ومقدرة لأنهم كانوا وقت أخذ ميثاقهم موحدين، والتزموا الدوام على التوحيد، ولو جعلتها حالاً مصاحبة فقط- على أن يكون التقدير: أخذنا ميثاقهم ملتزمين الإقامة على التوحيد- جاز، ولو جعلتها حالاً مقدرة- على أن يكون التقدير: أخذنا ميثاقهم مقدرين التوحيد أبداً ما عاشوا- جاز، ورابعها: لفظه لفظ الخبر ومعناه النهي.

الصفحة 555