كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

[(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ* ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَاتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ* أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)].
(لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ): لا يفعل ذلك بعضكم ببعض. جعل غير الرجل نفسه. إذا اتصل به أصلا أو دينا. وقيل: إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه، لأنه يقتص منه (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) عليها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه العود إلى سلوك المنهج، والمعرض- من حيث ترك المنهج وأخذ في عرض الطريق- يحتاج إلى طلب منهجه، فيعسر عليه العود إليه، وهذا غاية الذم؛ لأنهم جمعوا بين العود عن السلوك، والإعراض عن المسلك. وقيل: إن التولي قد يكون لحاجة تدعو إلى الانصراف مع ثبوت العقد، والإعراض هو الانصراف عن الشيء بالقلب.
قوله: (جعل غير الرجل نفسه) أي: جعل غير الرجل إذا اتصل به من جهة الأصل أو الدين بمنزلة نفسه، ثم نسب إلى نفسه ما كان منسوباً إلى الغير، فهو من باب المجاز بأدنى ملابسة، وقوله: "إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه" من باب إطلاق المسبب على السبب.

الصفحة 559