كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

كقولك: فلان مقرّ على نفسه بكذا شاهد عليها. وقيل: وأنتم تشهدون اليوم يا معشر اليهود على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ): استبعاد لما أسند اليهم من القتل والإجلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم. والمعنى ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون، يعنى أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كقولك: فلان مقر على نفسه [بكذا] شاهد عليها). قال القاضي: (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) [البقرة: 84] توكيد، كقولك: أقر فلان شاهداً على نفسه.
وقلت: إنه لما قال: أقر فلان، احتمل أنه تكلم بما يلزم منه الإقرار، فأزيل الاحتمال بقوله: شاهداً على نفسه، أي: أقر إقراراً يشبه شهادة من يشهد على غيره بإثبات البينة له.
قوله: (وقيل: وأنتم تشهدون) يعني: وأنتم تشهدون: إما جار على الالتفات السابق على رأي المصنف، والخطاب مع الحاضرين فحسب، وعلى رأي القاضي: هو جار على سنن الخطاب السابق مع اليهود الحاضرين لحضرة الرسالة على التغليب، لكن أخذ الميثاق والإقرار والشهادة من أسلافهم، فخوطبوا به، لكونهم أولادهم، ويجوز أن يخص قوله: (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) وحده بالحاضرين، وعلى الأول يجوز أن يكون (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) حالاً على سبيل التتميم، وعلى هذا عطف جملة على جملة للإلزام والتبكيت.
قوله: (ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء). "ثم" للاستبعاد. يعني: أيها الحاضرون أنتم بعد أخذ الميثاق عليكم، وإقراركم به، وشهادتكم عليه، هؤلاء الناقضون. وكان من حق الظاهر: (ثُمَّ أَنْتُمْ) بعد ذلك التوكيد في الميثاق نقضتم العهد، فتقتلون أنفسكم، وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم، أي: صفتكم الآن غير الصفة التي كنتم عليها، فأدخل "هؤلاء" وأوقع خبراً لـ "أنتم" وجعل قوله: (تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ) [البقرة: 85] جملة مبينة مستقلة لتفيد أن الذي تغير هو الذات نفسها، نعياً عليهم بشدة وكادة أخذ الميثاق، ثم تساهلهم فيه وقلة المبالاة به.

الصفحة 560