كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

رَسُولٌ منهم بالحق (اسْتَكْبَرْتُمْ) عن الإيمان به، فوسط بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ والتعجيب من شأنهم. ويجوز أن يريد: ولقد آتيناهم ما آتيناهم ففعلتم ما فعلتم. ثم وبخهم على ذلك. ودخول الفاء لعطفه على المقدّر. فإن قلت: هلا قيل وفريقا قتلتم؟ . قلت: هو على وجهين: أن تراد الحال الماضية، لأنّ الأمر فظيع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فوسط بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ)، يعني: قوله تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ) مسبب عن قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) [البقرة: 87]، ولهذا دخلت "الفاء" عليه على تقدير: نحن أنعمنا عليكم ببعثة موسى، وإيتائه الكتاب، ثم أتبعناه الرسل، وبإيتاء عيسى البينات، لتشكروا تلك النعم بالتلقي بالقبول، فعكستم بأن كذبتم فريقاً، وقصدتم قتل آخرين على نحو: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة: 82]، ثم أدخل بين المسبب والسبب همزة التوبيخ والتعجيب لتعكيسهم فيما يجب عليهم.
واعلم أن إدخال الهمزة في أثناء الكلام خلاف الأصل؛ لأن رتبتها صدر الكلام، لكنهم قد يقحمونها للتأكيد، قال أبو البقاء: دخلت "الفاء" ها هنا لتربط ما بعدها بما قبلها، والهمزة للتوبيخ.
وقال الزجاج: الألف في قوله: "أفأنت" في قوله تعالى: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) [الزمر: 19] جاءت مؤكدة معادة لما طال الكلام؛ لأنه لا يصلح أن تأتي بألف الاستفهام في الاسم وألف أخرى في الخبر.
واعلم أن هذا أصل في العربية وقانون يرجع إليه سيما في هذا "الكتاب"، فإنه قد يكرر فيه هذا المعنى مراراً.
قوله: (ويجوز أن يريد: ولقد آتيناهم) فعلى هذا ما عقبوا الإتيان محذوف وهو قوله:

الصفحة 567