كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

أي: هي خلقة وجبلة مغشاة بأغطية لا يتوصل إليها ما جاء به محمد صلى اللَّه عليه وسلم ولا تفقهه، مستعار من الأغلف الذي لم يختن، كقولهم: (قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه) [فصلت: 5]، ثم ردّ اللَّه أن تكون قلوبهم مخلوقة كذلك لأنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق، بأن اللَّه لعنهم وخذلهم بسبب كفرهم، فهم الذين غلفوا قلوبهم بما أحدثوا من الكفر الزائغ عن الفطرة وتسببوا بذلك لمنع الألطاف التي تكون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبوكم فلان"، قالوا: صدقت وبررت، قال: "فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ " قالوا: نعم، يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كما عرفته في أبينا، وساق الحديث إلى أن قال: "هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ " قالوا: نعم. قال: "فما حملكم على ذلك؟ " قالوا: أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإن كنت صادقاً لم يضرك" رويناه في "صحيح البخاري".
قوله: (أي: هي خلقة وجبلة مغشاة) مغشاةٌ: خبر "هي"، و"خلقة" و"جبلة" منصوبتان: إما تمييزاً أو حالاً أو ظرفاً.
قوله: (فهم الذين غلفوا قلوبهم بما أحدثوا) إلى آخره فيه إشعار بادعاء التخصيص على ما يقتضيه مذهبه، يعني هم الذين تسببوا بأن غلفوا قلوبهم، لا أنها مخلوقة لله، يدل عليه ادعاؤهم أن قلوبهم مجبولة على الكفر. ورد الله قولهم بقوله: (بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ) [البقرة: 88]. فقوله: "لعنهم الله" على هذا وضع موضع: غلف الله.
والجواب ما ذكره صاحب "الانتصاف": إنما كذبهم في ادعائهم عدم الاستطاعة والتمكن، وإنما هم اختاروا الكفر على الإيمان، فوقع اختيارهم مقارناً بخلق الله إياه في قلوبهم بعد ما أنشأهم على الفطرة إقامة للحجة عليهم.

الصفحة 570