كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

للدلالة على أنّ اللعنة لحقتهم لكفرهم. واللام للعهد. ويجوز أن تكون للجنس ويدخلوا فيه دخولا أوّليا.
[(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ* وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) 90 - 91].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (دخولاً أولياً) أي: قصدياً؛ لأن لفظ الكافرين يعم اليهود وغيرهم من سائر المشركين، لكن اليهود داخلون في هذا العام دخولاً قصدياً؛ لأن الكلام سيق بالأصالة فيهم، وهو من الكناية؛ لأن اللعنة إذا شملت الكافرين أجمع- وهؤلاء منهم-، فيلزم أن تلحقهم على البت والقطع، وهو أقوى مما إذا قيل: فلعنة الله عليهم.
فإن قلت: قولك: هو من الكناية ينافي تقريرك وهو أن اللعنة إذا شملت الكافرين إلى آخره لما تقرر أن الكناية هي الانتقال من لازم الشيء إلى ملزومه.
قلت: لا منافاة؛ لأن هذه الكناية تسمى إيمائية، وإنما يصار إليها إذا كان الموصوف مبالغاً في ذلك الوصف، ومنهمكاً فيه، حيث إذا ذكر خطر ذلك الوصف بالبال نحو قولهم لمن يقتني رذيلة من الرذائل ويصر عليها: أنا إذا نظرتك خطر ببالي سبابك وسباب كل من هو بصددك وأبناء جنسك. فاليهود لما بالغوا في الكفر والعناد وكتمان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعى الله عليهم ذلك، صار الكفر كأنه صفة غير مفارقة لذكرهم، فكان هذا الكلام لازماً لذكرهم ورديفه وأنهم أولى الناس دخولاً فيه، لكونهم تسببوا لاستجلاب هذا القول في غيرهم، وبذلوا أنفسهم فيه، وأنشد صاحب "المفتاح" في المعنى:

الصفحة 575