كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ): فصاروا أحقاء بغضب مترادف، لأنهم كفروا بنبىّ الحق وبغوا عليه. وقيل كفروا بمحمد بعد عيسى. وقيل بعد قولهم: (عُزَيرٌ ابنُ اللَّهِ) [التوبة: 30]، وقولهم: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة: 64]، وغير ذلك من أنواع كفرهم. (بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) مُطلقٌ فيما أنزل اللَّه من كل كتاب.
(قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) مقيد بالتوراة، (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) أي: قالوا ذلك والحال أنهم يكفرون بما وراء التوراة وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ منها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فصاروا أحقاء بغضب مترادف) دل على كونهم أحقاء به ترتب الحكم على الوصف بالفاء، والمعنى: فلذلك تمكنوا في الغضب تمكن الملاك في ملكهم ومبوئهم، ومنه الحديث: "فليتبوأ مقعده من النار" وإليه أومى الزجاج بقوله: معنى باؤوا: احتملوا، يقال: قد بؤت بهذا الذنب، أي: احتملته، أي: باؤوا بغضب على غضب. أي: بإثم استحقوا به النار على إثم تقدم استحقوا به النار.
قوله: (والحال أنهم يكفرون بما وراء التوراة). قال القاضي: "يكفرون" حال من الضمير في "قالوا"، ووراء في الأصل مصدر جعل ظرفاً، ويضاف إلى الفاعل فيراد به ما يتوارى به وهو خلفه، وإلى المفعول ويراد به ما يواريه وهو قدامه، وهو من الأضداد.
قوله: ((لِمَا مَعَهُمْ) منها) "من" بيان "ما"، والضمير في "منها" للتوراة، وقيل: "من" للتبعيض، والضمير للكتاب، أي: الذي معهم وهو التوراة بعض الكتاب.

الصفحة 578