كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(وَاسْمَعُوا) ما أمرتم به في التوراة، (قالُوا سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك. فإن قلت: كيف طابق قوله جوابهم؟ قلت: طابقه من حيث أنه قال لهم: (واسمعوا)، وليكن سماعكم سماع تقبل وطاعة، فقالوا: (سمعنا)، ولكن لا سماع طاعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ) وذكر ها هنا: (وَاسْمَعُوا)، والمراد بقوله: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) التلقي بالقبول والتمسك بما فيه مع وفور نشاط. وبقوله: (وَاسْمَعُوا) العمل بما فيه، والطاعة لأوامره، وحفظ ما فيه، وكذلك معنى: (وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ)، وقال ثمة: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) وها هنا (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) وهو مثله؛ لأن من سمع وعصى، فقد تولى بعد الميثاق، وأما الزيادة فهي قوله: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) الآية والمراد بكفرهم ذلك العصيان والتولي فوضعه موضع المضمر ليدل على أن ذلك العصيان والتولي هو كفر منهم وجحود بالآيات وكفران بتلك النعم، وانه أدى إلى عبادة العجاجيل، وبأن يخاطبوا بقوله: (بِئْسَمَا يَامُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ) على سبيل التهكم والسخرية إلى غير ذلك، والله أعلم.
قوله: (وليكن سماعكم سماع تقبل) ومرجعه إلى القول بالموجب. أمرهم بالسماع فأجابوه، ولكن على طريق العصيان، ونظيره قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) [التوبة: 61].
الراغب: قوله: اسمعوا معناه: افهموا، وقيل: اعملوا به، ووجه ذلك: أن الشيء يسمع ثم يتخيل، ثم يفهم، ثم يعقل، ثم يعمل به إن كان ذلك المسموع مما يقتضي عملاً، ولما كان السماع مبدأ والعمل غاية، وما بينهما وسائط، صح أن يذكر ويراد به بعض الوسائط، وأن يعنى به الغاية وهي العمل.

الصفحة 580