كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

وبما جاء به، وتحريف كتاب اللَّه، وسائر أنواع الكفر والعصيان. وقوله (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) من المعجزات، لأنه إخبار بالغيب، وكان كما أخبر به، كقوله: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) [البقرة: 24] فإن قلت: ما أدراك أنهم لم يتمنوا؟ قلت: لأنهم لو تمنوا لنقل ذلك كما نقل سائر الحوادث، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن في الإسلام أكثر من الذرّ، وليس أحد منهم نقل ذلك. فإن قلت: التمني من أعمال القلوب وهو سرّ لا يطلع عليه أحد، فمن أين علمت أنهم لم يتمنوا؟ قلت: ليس التمني من أعمال القلوب، إنما هو قول الإنسان بلسانه: ليت لي كذا، فإذا قاله قالوا: تمنى، وليت: كلمة التمني، ومحال أن يقع التحدي بما في الضمائر والقلوب ولو كان التمني بالقلوب وتمنوا لقالوا: قد تمنينا الموت في قلوبنا، ولم ينقل أنهم قالوا ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العاملة مختصة بالإنسان وآلة لقدرته، بها عامة صنائعه، ومنها أكثر منافعه، عبر بها عن النفس تارة، وعن القدرة أخرى.
وقلت: الظاهر أن قوله: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) [البقرة: 95] الآية جملة معترضة كقوله: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا) [البقرة: 24] وينصره قول الزجاج: "ولتجدنهم" حال من فاعل "قل": المعنى: أنك لتجدنهم في حال دعائهم إلى تمني الموت أحرص الناس على حياة. فالآية معترضة بين الحال وعاملها.
قوله: ("ليت" كلمة التمني) يعني إذا قال الرجل بلسانه كذا، قال أهل اللغة: إنه تمنى، فعبروا عن القول بالتمني، وقالوا أيضاً: إن كلمة "ليت" للتمني.
قوله: (ومحال أن يقع التحدي)، وذلك أن قوله: (فَتَمَنَّوْا) طلب للتمني على سبيل التحدي، وإنما يظهر العجز إذا لم يصدر منهم ما طلب منهم. وقوله: "ولو كان التمني" تنزل

الصفحة 587