بما شئت، فقال: يا أرضُ خذيه، وكان قارون على سريره فأخذته حتى غيّبَتْ سريره، فقال: يا أرض خذيه، فلم يزل يقولُ كذلك حتى غاب معظمه وبقي منه اليسير، قيل: قدماه، فجعل يناشد موسى بالرحم فما رُحِمَ، وجعل يقول: يا أرض خذيه، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: يا موسى، ما أَفَظَّكَ! ! فوعزَّتي وجلالي لو استغاث بي لأغثته.
قال سمرة بن جندب، وقد رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فهو يخسف به كلَّ يوم قدر قامة فما يبلغ الأرض السفلى إلى يوم القيامة" (¬1)، وفيه نزل قوله تعالى: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} الآية. وقال ابن عباس: ثم قال موسى: يا أرض خذيهم وأشار إلى الذين قذفوه فأخذتهم (¬2).
ولما خسف به قال بعض الجهال: إنما قصد موسى أخذ داره، وكانت داره عظيمة، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، فسأل الله فخسف بداره بعد ثلاثة أيام.
{فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [القصص: 81] وقيل: أراد بداره منزله ومقامه، وإلا فمن أين كان لهم في التيه دور؟ والعرب تسمي المنزل دارًا.
قلت: ويحتمل (¬3) أن الواقعة كانت بمصر.
{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ} قد ندِموا على تمنيهم ويقولون: {لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 82]. قال الجوهري: وذلك لأن القوم ندموا فقالوا "وي" متندمين على ما سلف منهم (¬4) {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} وذلك بالبغي والبطر والأشر والفساد والعمل بالمعاصي {وَالْعَاقِبَةُ} المحمودة {لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
* * *
¬__________
(¬1) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 9/ 3020.
(¬2) أخرجه الطبري في "تاريخه" 1/ 447. وانظر "التبصرة" 1/ 253.
(¬3) في (ب): قال المصنف رحمه الله: ويحتمل.
(¬4) لم نجده في "الصحاح" وقد أورده البغوي في "تفسيره" ص 993. وابن الجوزي في "زاد المسير" 6/ 247 ونسباه إلى الخليل دون الجوهري.