كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 2)

والرابع: أنه اسم بلدة معروفة تنسب إلى مدين بن إبراهيم، قال الشاعر:
رُهبانُ مَدينَ والذين عَهِدتُهُم ... يُمْسونَ من ألمِ الفِراقِ هُمُودَا (¬1)
والخامس: أن مدين اسم دارِ شعيب. قال الجوهري: اسم قرية شعيب (¬2). والأيكةُ خلفها.
والسادس: أن مدين اسم القبيلة، روي عن مقاتل.
قال: ومعنى الآية: أرسلنا شعيبًا إلى وَلَد مدين، وهي القبيلة؛ وعامة المؤرخين على أن مدين ابن إبراهيم لصلبه، ولهذا قال: {أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} أي: أرسلناه إليهم.
وذكر ابن قتيبة في "المعارف" عن وهب: أن شعيبًا وبلعم كانا من ولد رهطٍ آمنوا بإبراهيم يوم أُحرق بالنار وهاجروا إلى الشام، وتزوجوا بنات لوط، فكلُّ نبيّ كان قبل بني إسرائيل وبعد إبراهيم من ولد ذلك الرهط. وحكى أيضًا أن جدَّة شعيب بنت لوط. ولم تكن مدين قبيلة شعيب، ولكنها أمة بعث إليها (¬3). وعامة العلماءِ على خلاف قول ابن قتيبة.
وقال ابن عباس: كان شعيب يسمَّى خطيبَ الأنبياء لفصاحته وحسن مراجعته قومه. وقيل: كانت معجزته في خطبته. وقيل: لم يسم معجزته، وإنما قال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 85] و {قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود: 84].
وقال الشَّرقي بن القَطامي: بُعِثَ إلى مدين وهو ابن عشرين سنة، وكانوا مع عبادتهم الأوثان يبخسون المكاييل والموازين، فنهاهم عن التطفيف وعبادة الأوثان وقال: يا قوم {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} [هود: 84] أي: موسرين في خصحب وعيش وسعة. وحذَّرهم غلاءَ السعر، وزوال النعمة، وحلول النقمة.
وقال قتادة: إنما كان يخاطبهم بلسان العرب، لأنه من العرب الأُوَل، من ولد
¬__________
(¬1) هو كُثير عزة، انظر "ديوانه" 133.
(¬2) "الصحاح" (مدن).
(¬3) "المعارف" ص 41 - 42.

الصفحة 21