كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 2)

قَيْلة، لم يُؤدُّوا خراجًا ولا إتاوةً قطُّ إلى أحد من الملوك في الجاهلية، فكتب إليهم تُبّع أبو كرب يدعوهم إلى طاعته، ويُحذرُهم مخالفتَه. فكتبوا إليه: [من الكامل]
العبدُ تُبَّع كم يَرومُ قِتالَنا ... ومكانُه بالمَنْزِلِ المُتَذلِّل
إنا أُناسٌ لا ينامُ بأرضنا ... عَضّ الرسول ببَظْر أمِّ المرسلِ (¬1)
فسار إليهم، فقاتَلهم، فلم ينل منهم طائلًا.
قال ابن الكلبي: وله شعر يذكر فيه خروجَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأوَّلُه: [من الكامل]
ما بالُ نومك مثل نومِ الأَرْمَدِ ... أَرِقًا لجَنْبِك بالعَراء مسهَّدِ
ولقد هبطنا يثربًا وصدورُنا ... تغلي مَراجِلُها بقَتْلٍ مُحصِدِ
حَنَقًا على ولدي وصاحبِ أُسرتي ... أضحى قتيلًا عند باب المِرْبدِ
ولقد حلفتُ يمينَ صدقٍ مُؤليًا ... قَسمًا لَعَمري ليس بالمُتَرَدِّد
إن جئتُ يثربَ لا أغادرُ وَسْطَها ... عِذْقًا ولا نخلًا يكون لمُعتَدي
حتى أتاني من قُريظةَ عالِمٌ ... حَبْرٌ لَعَمرُك في اليهود مُسَدَّد
قال انْزَجِر عن قريةٍ محفوظةٍ ... لرسولِ ربِّ العالَمين مُؤيَّدِ
فعفوتُ عنهم غيرَ مُكتَرِثٍ بهم ... وتركْتُهم لعقاب يومٍ سَرْمَدِ
فرحل ومعه الحَبْران، فقصد مكة، فلما نزل عُسْفان، جاءه نفرٌ من هُذَيل، فقالوا له: ألا ندلُّك على بيت مالٍ أَغفلَه الملوكُ، فيه من الجواهر واليواقيت والذهب والفضة ما ليس في غيره؟ قال: وأين هو؟ قالوا: بمكة، يعبدُه أهلُها، ويُصلُّون إليه. وإنما قَصدوا أن يتعرَّضَ له فيهلك.
فأخبر الحَبْرين فقالا: إنما قصد الهُذَليُّون هلاكَك وهلاكَ جُندك. قال: فما تأمراني؟ قالا: تذهبُ إليه، وتعظِّمُه، وتحلقُ رأسَك عنده، وتذبحُ له؛ فإنه بَنِيَّةُ أبينا إبراهيم. قال: فما يمنعكما منه؟ قالا: أهلُه حالوا بيننا وبينه بالأصنام التي حوله.
فعلم صحَّة قولهما، فعَمد إلى الهُذليِّين، فقطَّع أيديهم وأرجلَهم، فقالا: سِرْ إليه، وافعل كما يفعل أهلُه.
¬__________
(¬1) العقد الفريد 2/ 193.

الصفحة 496