فسار إليه، وعظَّمه، وذبَح له، وفعل ما أمراه، ورأى في المنام وهو بمكة قائلًا يقول: اكْسُ هذا البيت، فكساه بالمُلاء والوصائل.
قال ابن إسحاق: وهو أول مَن كساه، وجعل عليه بابًا ومفتاحًا، ونهى الحُيَّض عن دخوله، ثم سار إلى اليمن (¬1).
وذكر ابن سَعد أن تُبَّعًا نزل بقناةٍ بسفح أُحُد، وقال: إني مُخربٌ هذا البلد، ولا أبقي فيه يهوديًا، حتى يرجعَ الأمرُ إلى العرب، فخرج إليه سامول اليهودي -وهو أعلمُ اليهود يومئذ- فقال له: أيها المَلك، إن هذا البلد مُهاجَرُ نبيٍّ من ولد إسماعيل، اسمه أحمد، يولَد بمكة، وهذا البلد قَبرُه، ويكون له في هذا المنزل وَقْعَةٌ مع أهله فرجع، وقال: ما لي إلى هذا البلد سبيل (¬2)، وأنشد: [من الكامل]
ولقد تركْتُ (¬3) بها ضُحى من قومنا ... نَفرًا أُولي حَسَبٍ بغير تَفَنُّدِ
نَفرًا يكون النصرُ في أعقابهم ... أرجو بذاك رِضى النبيّ محمَّدِ
ما كنتُ أحسب أن بيتًا طاهرًا ... لله في بَطْحاءِ مكةَ يُعْبَدُ
حتى أتاني من هُذَيلٍ أعبُدٌ ... بالبَرِّ من عُسْفانها بتَودُّدِ
قالوا بمكةَ بيتُ مالٍ داثِرٍ ... وكنْوزُه من لؤلؤٍ وزَبَرْجَدِ
فأمرتُ أمرًا حالَ ربّي دونَه ... والله يَدفعُ عن خراب المَسجدِ
فردَدْتُ ما أمَّلْتُ فيه وفيهمُ ... وتركتُهم مثلًا لأهلِ المَشْهَدِ
قد كان ذو القرنينِ قَبلي مُسلمًا ... مَلِكًا يَفوقُ على الملوك بسُودَدِ
وقال عبد الملك بن هشامٍ: هذا الشِّعر مصنوع، وليس لتُبَّع (¬4).
وقال الأزرقي، عن محمد بن إسحاق: سار تُبَّع الأول إلى الكعبة -ومذهبُه أن الذي سار إليها هو تبعٌ الأوّل- فأراد هدمَ الكعبة، فأخذه الله بالصُّداعِ، وأجرى من أنفه وفمه وأُذنيْه ومِنخَرَيْه ماءً مُنْتِنًا، بحيثما لم يستطع أحدٌ أن يَدنوَ منه، فخلا به وزيرُه،
¬__________
(¬1) السيرة النبوية 1/ 24 - 25، وانظر تاريخ الطبري 2/ 105 - 110.
(¬2) طبقات ابن سعد 1/ 159، وتاريخ دمشق 3/ 507.
(¬3) في النسخ: نزلت، والمثبت من تاريخ الطبري 2/ 110.
(¬4) السيرة النبوية 1/ 23.