كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 2)

وعرفتْ أنه قاتلُها، فقالت: لا والذي أسألُه أن يَخفِضَ جَنَاحَك، ويَهِدَّ عِمادَك، ويَضَعَ وِسادَك، ويَسلبَك أهلَك وأولادَك وبلادَك ما أنا بأعجميَّة، فقال: مَن أنت؟ فقالت: ضَمْرة بنت جابر الحمراء، بنت من سادَ مَعَدّاً كابِرًا عن كابر. قال: فمَن زوجُك؟ قالت: هَوْذَة بنُ جَرْوَل. قال: أما تعرفين مكانَه؟ فقالت: لو علمتُ مكانَه لحال بيني وبينك، فقال: وأيُّ رجل هو؟ فقالت: طَيِّبُ العِرْقِ، سمينُ العَرْقِ، يأكلُ ما وَجَد، ولا يَسأل عما فَقَد، فقال عمرو: أما والله لولا أني أَخافُ أن تَلِدي مثلَ أبيك وأخيك وزوجك لاسْتَبْقَيْتُك، فقالت: إنك لا تَقتُل إلا نساءً أَعاليهنّ ثُدِيّ، وأَسافلهن دُمِىّ، والله ما أدركتَ ثأراً، ولا غَسلْتَ عارًا.
فأمر بها أن تُحرقَ، فقالت: صارت الفِتيانُ حُمَماً، ثم ألقاها في النار. وأقام عامَّةَ يومه لا يَقدر منهم على أحد، حتى إذا كان آخر النهار أقبل راكبٌ اسمُه عَمّار، فقال له عَمرو: مَن أنت؟ فقال: وافِدُ البَراجِم. فقال عمرو: إنّ الشَّقيَّ وافِدُ البَراجِمِ، فذهبت مثلاً (¬1).
صَبْراً على مَجامِر الكِرام، أَوَّلُ من قال ذلك مولاةُ يسار الكَواعب، راودها مولاها يسار عن نفسها، فأبت عليه، فألحَّ عليها، قالت: إن ريحَك سَهِكَة، فإنْ بخَّرتُك ببَخورٍ طاوعتُك، فقال: افعلي. فجاءت بمجمرة فجعلتها تحته، وأدخلت يدها تصلِحُه، وقبضت على ذَكَره ومخاصيه، فجذبَتْه فصاح، فقالت: صَبْراً على مَجامِر الكرام، فأرسلَتْها مثلا لمَن يَصبر على ما يكره، قال الفرزدق يخاطب جريراً: [من الطويل]
وإنّي لَأَخشى إن خطبْتَ إليهمُ ... عليك الذي لَاقى يَسارُ الكَواعبِ (¬2)
الصَّيفَ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ، كانت امرأةٌ تحت رجل مُوسِر، فكرهته لكبره فطلَّقها، فتزوَّجها رجلٌ مُمْلِق، فبعثت إلى زوجها الأوَّل تَسْتَمْنحُه، فقال: الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبَن، وكان طلَّقها في الصيف (¬3).
¬__________
(¬1) مجمع الأمثال 1/ 394، والمستقصى 2/ 137، وانظر أمثال أبي عبيد 328، والبكري 454، والعسكري 1/ 121، والميداني 1/ 9، والزمخشري 1/ 405.
(¬2) النقائض 816، والفاخر 99، والميداني 1/ 393، والزمخشري 2/ 139، وديوانه 1/ 97 (صادر).
(¬3) أمثال أبي عبيد 247، والبكري 357، والفاخر 111، والعسكري 1/ 575، والميداني 2/ 68، والزمخشري 1/ 329.

الصفحة 582