كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 2)

وقال مقاتل: ولما رأى فرعون أن البحر قد انفلق قال لقومه: خاف البحر فانفلق لأُدرِكَ عبيدي وأعدائي. ولما وصل فرعون وجنده إلى الساحل وجدوا موسى وقومه قد عبروا، فقال للقبط: قد سحر موسى البحر، فقالوا له: إن كنت إلهًا فاعبر خلفه، وكان على حصان أدهم، فهاب الحصانُ أن ينزل، فبعث الله تعالى جبريل على ماذيانة وَدِيق، يعني رَمَكَة (¬1)، فجاءت بين يدي الحصان، فشمها فتقدَّم، فدخل جبريل البحر وفرعون والقوم خلفه، وميكائيل خلفهم يحثهم ويقول: الحقوا أصحابكم، فلما تكامل أولهم وآخرهم، وهمَّ أولهم بالصعود، أمر الله البحر فانطبق عليهم، فذلك قوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)} [الشعراء: 64] أي: قرَّبناهم إلى الهلاك وقدَّمناهم إلى البحر {وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)} [الشعراء: 65، 66] يعني فرعون وقومه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} أي: عظة {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 67] قال مقاتل: لم يؤمن منهم غير حزقيل وآسيَة والعجوز التي دلَّت على تابوت يوسف عليه السلام (¬2).
ولما انطبق البحر عليهم نادى فرعون {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: 95].
حدثنا عبد الرحمن بن أبي حامد الحربي بإسناده عن عكرمة عن أبن عباس قال: قال جبريل: يا محمد لو رأيتني وأنا أدسُّ في فيه حمأة البحر مخافة أن يقول لا إله إلا الله فتدركه الرحمة. أخرجه أحمد فقال: حدثنا سليمان بن حرب بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما قالَ فِرَعون: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: 90] قال جبريل: لو رَأيتَني وقد أَخَذتُ مِن حَالِ البَحرِ فدسَستُهُ في فِيه مَخَافةَ أنْ تَنَالَه الرَّحْمَة" (¬3).
وقال مقاتل: فقال له جبريل: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس: 91].
وقال مقاتل: قال جبريل: ما أبغضت أحدًا مثل ما أبغضت فرعون وإبليس، ذاك
¬__________
(¬1) هي الفرس الأنثى المشتهية للفحل.
(¬2) انظر "عرائس المجالس" ص 201.
(¬3) أحمد في "مسنده" (2820)، وإسناده ضعيف، والأصح وقفه. قاله الشيخ شعيب حفظه الله.

الصفحة 63