كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 2)

وحكى الحافظ أبو القاسم في "تاريخ دمشق" عن أبي الحسين الرازي أنه قال: الأطوار التي كُلِّم عليها موسى أربعة: طور سيناء، وهو بالقرب من بحر القُلْزُم، والطوو الذي ببيت المقدس، والطور الذي بطبرية عند أكيال، والطور الذي بدمشق، وهو جبل كوكبا موضع الكنيسة الخربة، وكَوكَبا قبلي دارَّيا (¬1). قلت (¬2): والأصحُّ أنما خوطب على جبل الطور الذي بقرب القُلْزُم.
وقوله تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أي: غُشِيَ عليه، وقال قوم: مات. والأول أصحُّ، لأنه لو مات ما عاش أبدًا {فَلَمَّا أَفَاقَ} عادت روحه إليه و {قَالَ سُبْحَانَكَ} - وهذا دليل على أنه لم يمت - أي: نزَّهتك {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] أنك لا تُرَى في دار الدنيا، وأن من رآك مات.
وقد روى أبو أحمد بن عدي عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما تجلى ربُّه للجَبلِ أشارَ بإِصبَعهِ فمرَّ نُورٌ جَعلهُ دَكًّا" (¬3) قال جدي هذا الحديث في "الموضوعات" ولا يصحُّ هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو من عمل ابن أبي العوجاء، وكان زنديقًا. وكذا حديث: "إنَّ اللهَ أخرجَ خِنصَرهُ فَضربَ بِهِ عَلى إبهامِهِ فَساخَ الجَبلُ" (¬4) من عمل ابن أبي العوجاء.
قلت: وقد أخرج هذا الحديث أحمد بن حنبل في "المسند" فقال: حدثنا أبو المثنى مُعاذ بن مُعاذ العنبري، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] قال: هَكذا- يعني أنه أخرج طرف الخنصر- قال أحمد: أراناه معاذ- قال: فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدرَهُ ضربةً شديدة وقال: من أنت يا حُميد، أو: وما أنت يا حُميد؟ يُحدِّثنُي به أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقول: ما تريدُ إليه (¬5)! .
¬__________
(¬1) "تاريخ دمشق" 61/ 15.
(¬2) في (ب): قال المصنف رحمه الله.
(¬3) ابن عدي في "الكامل" 1/ 342. وأخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (258).
(¬4) أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (259).
(¬5) أحمد في "مسنده" (12260).

الصفحة 73