كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 2)

وقال زيد بن ثابت: الشام كله مقدس ويدخل فيه دمشق.
وقال ابن عمر: حرم مكة والبيت المقدس. والأول أصح.
وقال مقاتل: وإنما قال ذلك موسى لما نزل على أريحا، ومعنى {كَتَبَ} أي: في اللوح المحفوظ. وكانت أريحا قرية الجباربن وهم العمالقة، وقيل: الكنعانيون، وأمر موسى بقتالهم وجهادهم، وكان موسى قد نقَّب على بني إسرائيل اثني عشر نقيبًا بعدد الأسباط، ومن هنا نقَّب النبي - صلى الله عليه وسلم - النقباء ليلةَ العقبة، ومن هؤلاء النقباء يوشع بن نون وكالب بن يوفنَّا، والنقيب: الكفيل عن قومه بالوفاء على ما أمروا به.
وقال ابن إسحاق: ولما دنا موسى من أريحا بعث النقباء يتحسسون الأخبار، فلقيهم عوج بن عناق، وقال الثعلبي: قال ابن عمر: كان طوله ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلاث مئة وثلاثين ذراعًا، وكان يعتجر بالسحاب ويشرب الماء منه، ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه في عين الشمس ويأكله، وهو ابن بنت آدم (¬1) - وقد ذكرناه في الطوفان - وأن الماء كان لا يبلغ كعْبَهُ. فالتقى بالاثني عشر نقيبًا وعلى رأسه حزمة حطب فأخذهم وجعلهم في حجزته، وانطلق بهم إلى زوجته فقال: انظري إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا، وطرحهم بين يديها، وقال: ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت: لا بل خلِّ عنهم ليخبروا قومهم بما رأوا، فأرسلهم؛ فلما خرجوا قال بعضهم لبعض: إن أخبرتم القوم رجعوا عن نبيِّ الله وساروا، فأما كالب ويوشع فإنهما كتما، وأما الباقون فتحدثوا. ولما شاع الحديث جاؤوا إلى موسى وقالوا: يا ليتنا متنا بأرض مصر وبكوا وقالوا: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} [المائدة: 22] وهم الأقوياء، كان يدخل في كُمِّ أحدهم اثنان من بني إسرائيل، ويدخل في قشر الرمانة إذا نزع الحب منها خمسة رجال، ويحمل العنقود خمسة رجال من بني إسرائيل فقالوا: {لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] فدعا عليهم موسى وقال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25] أي: العاصين. وكانت عجلةً من موسى فاستجاب له ربه وقال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26]
¬__________
(¬1) انظر "عرائس المجالس" ص 243.

الصفحة 84