كتاب معركة النص (اسم الجزء: 2)

ثالثًا:
أن اقتناع الناس ليس مرتبطًا بالدليل العقلي فقط، بل هو يتأثر بعوامل نفسية وبيئية كثيرة جدًا، فقد يعجز المصلح عن إقناعهم بالحكم نظرًا لتمكن هذه العوائق وليس بسبب خللٍ في الحكم.
لهذا تجد أن رسالة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بدلائلها وبراهينها القاطعة لم تكن مقنعة لكثيرٍ من الناس {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} [الفرقان: 41]، وأصبحت نظرات السخرية والتندر تلاحق أتباعه عليه الصلاة والسلام {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)} [المطففين: 29 - 30].
كما أنهم صاروا يعارضون القرآن ويضعون شروطًا كثيرة حتى يقتنعوا {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)} [الزخرف: 31]، {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: 32]، {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)} [الإسراء: 90 - 91]، {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس: 15]. ومع ذلك فلم تحقق لهم الشريعة تلك الشروط التي يريدون.
فاقتناع الناس تؤثر فيه أهواء وأمراض وشهوات وعادات كثيرة، فاستحضار ضرورة إقناعهم في حال تحرير الحكم الشرعي وبيانه يغبش عين المسلم عن إدراك هذه الحقيقة الناصعة.
لهذا؛ فليس من واجب الدعوة ولا معيار نجاح الداعية أن يؤمن الناس أو يعملوا بالحكم أو يقتنعوا، وإنما هو البلاغ والنصح والبيان {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي

الصفحة 13