كتاب معركة النص (اسم الجزء: 2)

فليس للمسلم خيار في قبول الشريعة أو رفضها {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، بل إن رفضها يعتبَر في النظام الإسلامي جناية تستحق العقوبة وليس المكافَأة!
المحكَم الثاني: أن هذا ليس في كل القضايا بل في بعض القضايا التي تركتها الشريعة لأهل الكتاب، وليس في كل الأحكام فإن (الأمة أجمعت على أن أهل الذمة داخلون تحت سلطان الإسلام، وأن عهود الذمة قضت بإبقائهم على ما تقتضيه مللُهم في الشؤون الجارية بين بعضهم مع بعض بما حددتْ لهم شرائعهم) (¬1).
فحكم الإسلام شامل بعدله ورحمته وكماله جميع المنضوين تحت سلطانه؛ غير أنه ترك لغير المسلمين بعض الأحكام فجعل لهم أن يتحاكموا فيها بينهم لأن حكم الإسلام فيها أنهم غير ملزمين بأحكام المسلمين، وذلك مثل عباداتهم وأنكحتهم ومعاملاتهم وما يستحلونه كشرب الخمر، وأما ما تجاوز ذلك فهم ملزمون فيه بأحكام الإسلام.
وثَمَّ اختلاف في فروع المذاهب الفقهية في حدود ما يختص بغير المسلمين فعله مما لا يجوز للمسلمين فعله، سيصل قارئها لنتيجة قطعية ظاهرة هي أن ثَمَّ مساحةً معيَّنة (بشروطها) فقط هي التي لا يلزمهم فيها حكم الإسلام، وهي التي جرى الخلاف فيها في ما لو جاؤوا هل يلزم الحكم بينهم؟ لأنها مساحة تركتها الشريعة لهم، ولن يجد أحدًا يقول: إنهم مخيَّرون في أحكام الإسلام كلها، بل هم متفقون على لزوم أحكام الإسلام عليهم في الجملة (¬2).
¬__________
(¬1) التحرير التنوير 6/ 205.
(¬2) انظر في المذاهب الأربعة: بدائع الصنائع: 7/ 113، الذخيرة للقرافي 10/ 754 - 458 و 10/ 326، والحاوي للماوردي: 14/ 386 - 387، والمغني: 10/ 190 وعند المفسرين انظر: المحرر الوجيز: 2/ 226، والجامع لأحكام القرآن: 6/ 185، والتحرير والتنوير: 6/ 205 - 206.

الصفحة 137