كتاب معركة النص (اسم الجزء: 2)

فالنص القرآني والحديث النبوي قد قضى بها ولا معقب لحكم اللَّه، وهي قضية ربما لا تشدُّ ذهن المسلم لأنه يراها بدهية، لكنه سيعرف قيمتها وفضلها حين يقرأ في مسيرة (الحقوق) التي قد عانت مخاضًا عسيرًا في الفكر الغربي خلال تاريخه الصراعي الطويل معها، فغياب القطعيات جعل تحديد الحقوق معضلة فكرية عويصة، فمن الذي يحدد هذه الحقوق؟ سؤال يجيبه المسلم بكل استرخاء، لكنه يسبب إشكالًا عميقًا لدى كل من حيَّد الدين عن الحكم، فجاءت نظريات (الحقوق الطبيعية) والتي رفعت جملة من الحقوق فجعلتها حقوقًا غير قابلة للنقاش، وليس لهذه النظريات من مستنَد سوى فكرة خيالية تقرر أن الإنسان يولد ومعه جملة من الحقوق، ولا شيء يثبت وجود هذه الحقوق سوى أنها يجب أن تكون موجودة! فهي في الحقيقة قد تبنت المفهوم الديني في القطع بهذه الحقوق لكنهم استنكفوا عن ربطها بالدين.
ثانيًا: أن المفهوم الإسلامي للحقوق يجعلها حقوقًا دينية ذاتية قبل أن تكون حقوقًا قانونية نظامية، فالمسلم يقوم بها ويلتزم بها ديانة للَّه ووقوفًا عند حدوده، وهذا يعطي الحقوق دعمًا عميقًا لا تملك بقية النماذج أن تقترب منه، فالنظام القانوني مهما كان محكمًا ومتطورًا فهو عاجز عن الوصول إلى تلك المناطق العميقة التي يصل إليها هذا الدين، فالحقوق بهذا المفهوم ترتكز على رقابة ذاتية يراقب المسلم فيها ربه، فتكون مستحضرة في الظاهر والباطن، في ما يثبت عند القانون وفي ما لا يقدر القانون على إثباته، تنشط لها النفوس، وتمارس عليها دورًا رقابيًا احتسابيًا نابعًا من الدين، فتجاوُز الحقوق منكر يجب إنكاره من الجميع "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (¬1).
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم برقم 186.

الصفحة 142