كتاب معركة النص (اسم الجزء: 2)

الذي تمسك بأصوله المعرفية، ولا هو الذي تبنَّى أصولًا معرفية بديلة عنها؛ وإنما نجحت في خلخلتها في نفسه، فأصبح بعضهم يؤمن بها نظريًا وإن كان في الحقيقة لا يعتمد عليها كثيرًا، وهذا ما يفسر لك أن كثيرًا من الشباب يقرر هذه الأصول ثم يتبنى ما يخالفها في نفس اللحظة!
الخاصية الثالثة: الانفتاح الفوضوي، والاطلاع العبثي على كافة الدراسات الفلسفية والفكرية التي تقوم على منظومات فكرية مختلفة، لا تعتمد على مرجعية النص الشرعي ولا تعلي من مكانة الخطاب القرآني والنبوي، من دون أن يكون لدى الشاب حصيلة كافية لمحاكمة هذه الدراسات وإدراك جذورها واكتشاف مكامن القوة والضعف فيها، فيسقط الشاب سريعًا عند أول قراءةٍ فيها، ليس لقوة هذه الدراسات، إنما لضعف المحل الذي نزلت عليه.
ويزيد الإشكالية أن الشاب يُقبِل عليها بنفسية المعظِّم لها، الذي يعتقد بعبقرية أصحابها، وقدراتهم البحثية الهائلة، وهو ما يجعله مهيأ نفسيًا لقبول أي معلومة والتسليم لأي نتيجة، فهو منكسر خاضع لها أيًّا ما توجَّهَت به؛ ولهذا تجد وَلَعَ بعض الشباب بتكرار بعض المقولات الفلسفية الهزيلة التي لا يحسنون كثيرًا شرحها وبيانها. كما أن الشاب يُقبِل عليها وقد امتلأ قلبه بأهمية الاستقلال والثقة التامة بالعقل وضرورة الشك في كل القطعيات ونحو هذه الدوافع التي تتضخم في ذاته فتجعله يستهين بنعمة اليقين الذي أنعم اللَّه عليه، ثم يجد نفسه بعد هذا نافرًا من قراءة القرآن وتدبُّره، مستخفًّا من الوعظ والتذكير، بعيدًا عن التضرع والانطراح بين يدي اللَّه، وهو ما يجعله خليقًا بالخذلان والحرمان.

الصفحة 28