كتاب معركة النص (اسم الجزء: 2)

الصريح بأي حكم منها، واتجه النقد إلى فهم النص، والغلو في النص، وعدم إدراك المتغيرات، وإلى البحث عن مقاصد النصوص، وروح الشريعة، والغايات التي تسعى إليها، والمصالح الكبرى التي تحققها، وما عاد مستنكرًا أن تجد أشد الناس عداوة لأحكام الشريعة يقرر بكل ثقة: أنه لا يعارض الشريعة، بل إنه يسعى إلى حكم الشريعة وأنه أشد غيرة عليها من كثير من دعاتها.
بسبب ذلك نشطت حركة البحث عن الأصول التراثية التي يمكن أن تكون مرجعية مقبولة لأي آراء حداثية معاصرة مخالفة للشريعة، فصارت الانحرافات المصادمة لقطعيات الشريعة تقدم من خلال الشاطبي والطوفي والعز بن عبد السلام وابن القيم وابن تيمية وعمر بن الخطاب!
لم تكن هذه المنهجية المداهنة لترضي كل الأطراف العلمانية، فلئن ساهمت في تعميق الرؤى العلمانية وتخفيف الصدمات التي تواجهها، إلا أن ثم فئة رأت في هذه الطريقة سقوطًا أمام المد الإسلامي وانهزامًا أمام مقولاته (والأخطر من كل هذا والأكثر تدليلًا على تراجع الفكر العلماني عندنا، ما نشهده من محاولات حثيثة من قبل المفكرين العلمانيين لدعم موقفهم عن طريق اللجوء إلى القرآن والسنة، غير مدركين أنهم يقدمون بهذا أكبر التنازلات للحركات المناوئة للعلمانية) (¬1).
تحدث أحدهم منتقدًا هذه الظاهرة: (إن الجمجمة في الكلام السالف واضحة جلية، فأكثرية المفكرين العرب المذكورين اتقوا هجوم الدينيين بتوجيه نقدهم إلى ما دعوه قشوره الدين أو لسوء استخدام الدين من قبل رجاله أو رجال السياسة، دونما الولوج مباشرة في أمور الدين نفسه) (¬2).
¬__________
(¬1) الأسس الفلسفية للعلمانية لعادل ضاهر، 16.
(¬2) العلمانية لعزيز العظمة، 231.

الصفحة 6