كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 2)
إِلَى المَدِينَةِ، وَيَمْتَحِنُونَ المُهَاجِرِينَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ المِحَنِ، وَكَانَ المُهَاجِرُونَ لَا يَعْدِلُونَ عَنْ هَذِهِ الفِكْرَةِ، وَلَا يُؤْثِرُونَ البَقَاءَ فِي مَكَّةَ، . . . وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَعْنَى الهِجْرَةِ إِهْدَارُ المَصَالِحِ، وَالتَّضْحِيَةُ بِالأَمْوَالِ، وَالنَّجَاةُ بِالشَّخْصِ فَحَسْبُ، مَعَ الإِشْعَارِ بَأَنَّهُ مُسْتَبَاحٌ مَنْهُوبٌ، قَدْ يَهْلِكُ فِي أَوَائِلِ الطَّرِيقِ أَوْ نِهَايَتِهَا، وَبِأَنَّهُ يَسِيرُ نَحْوَ مُسْتَقْبَلٍ مُبْهَمٍ (¬1)، لَا يَدْرِي مَا يَتَمَخَّضُ عَنْهُ مِنْ قَلَاقِلَ وَأَحْزَانٍ (¬2).
* مِحْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
أُمُّ سَلَمَةَ اسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجُ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ، وَهُوَ أَخُو الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأُمُّهُ هِيَ بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَهُوَ ابنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَكَانَ -رضي اللَّه عنه- قَدِيمَ الإِسْلَامِ، وَقَدْ مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ -رضي اللَّه عنه- بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، فَلَمَّا مَاتَ تَزَوَّجُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُمَّ سَلَمَةَ، فَصَارَتْ أُمَّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إِلَى المَدِينَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدَ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوَّلَ ظَعِينَةٍ (¬3) قَدِمَتْ المَدِينَةَ مُهَاجِرَةً (¬4).
¬__________
(¬1) طَرِيقٌ مُبْهَمٌ: إذا كَانَ خَفِيًّا لا يَسْتَبِينُ. انظر لسان العرب (1/ 524).
(¬2) انظر السيرةُ النبوية لأبي الحسن الندوي رحمه اللَّه تعالى ص 161 - والرحيق المختوم ص 155.
(¬3) الظَّعِينة: المرأة، وأصلُ الظَّعينة: الرَّاحِلَةُ التي يُرحل ويُظْعَنُ عليها، أي يُسَارُ، وقيل للمرأةِ ظَعِينَةٌ، لأنها تَظْعَنُ مع الزوج حيثُمَا ظَعَن. انظر النهاية (3/ 143).
(¬4) أخرجه الترمذي في جامعه - كتاب التفسير - باب ومن سورة النساء - رقم الحديث =
الصفحة 12
730