كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 2)

وَأَمَّا مِحْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرَهَا ابنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَلْنَتْرُكْ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَرْوِي لَنَا قِصَّةَ هِجْرَتِهَا مَعَ زَوْجِهَا وَابْنِهَا -رضي اللَّه عنهم- أَجْمَعِينَ، تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الخُرُوجَ إِلَى المَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ (¬1)، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي المُغِيرَةِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتَنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ (¬2) هَذِهِ، عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي البِلَادِ؟ قَالَتْ: فنَزَعُوا خِطَامَ (¬3) البَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ، قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إِذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا، قَالَتْ: فتَجَاذَبُوا ابْنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ، حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ،
¬__________
= (3022) - وأورده ابن الأثير في جامع الأصول - رقم الحديث (563). قال الترمذي بعد أن أورد هذا الأثر عن مجاهد: هذا حديث مرسل.
وردَّ العلامة أحمد شاكر رحمه اللَّه في تعليقِهِ على الطبري قول الترمذي: "حديث مرسل"، فقال: إنه جزم بلا دليل، ومجاهِد أدرك أم سلمة يَقِينًا وعاصَرَها، فإنه وُلدَ سنة (21 هـ)، وأم سلمة ماتت بعد سنة 60 هـ، على اليقين، فثبت عندنا اتصال الحديث وصحته، والحمد للَّه.
(¬1) أي جعلَ عَلَيْهِ الرَّحْل، وَالرَّحْلُ ما يُوضَعُ على ظَهْرِ البَعِيرِ لِلرُّكُوبِ، وهو لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ. انظر لسان العرب (5/ 170).
(¬2) صاحبتك: أي زوجتك.
ومنه قوله تعالى في سورة عبس {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}.
(¬3) خِطَامُ البَعِيرِ: هو الحَبْل الَّذي يُقادُ به البعير. انظر النهاية (2/ 49).

الصفحة 13