كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 2)

وَحبَسَنِي بَنُو المُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إِلَى المَدِينَةِ، قَالَتْ: فَفُرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي، قَالَتْ: فكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ (¬1) فَأَجْلِسُ بِالأَبْطَحِ (¬2)، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّى أُمْسِي، سَنَةٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدِ بَنِي المُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي، فَرَحِمَنِي، فَقَالَ لِبَنِي المُغِيرَةِ: أَلَا تُحَرِّجُونَ (¬3) مِنْ هَذِهِ المِسْكِينَةِ؟ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا، قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ إِنْ شِئْتِ، قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ إِلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي، قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالمَدِينَةِ، قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: أَتَبْلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى زَوْجِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ (¬4) لَقِيتُ عُثْمَانَ بنَ طَلْحَةَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ -رضي اللَّه عنه-، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَقَالَ لِي: إِلَى أَيْنَ يَا بْنَتَ أَبِي أُمَيَّةَ؟
قُلْتُ قَالَتْ: فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالمَدِينَةِ، قَالَ: أَوَ مَا مَعَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا اللَّهُ وَابْنِي هَذَا، قَالَ: وَاللَّهِ مَالَكِ مِنْ مَتْرَكٍ، فَأَخَذَ خِطَامَ
¬__________
(¬1) الغُدْوَة: بضم الغين: البُكْرَة ما بَيْنَ صلاةِ الفجرِ وطلوعِ الشَّمس. انظر لسان العرب (10/ 26).
(¬2) الأبْطَح: يعني أبطَحَ مكَّة، وهو مسيل واديها. انظر النهاية (1/ 134).
(¬3) تحَرَّجَ فلانٌ: إذا فعَلَ فِعْلًا يتَحَرَّج به منَ الحَرَجِ، والحَرَجُ: هو الإثْمُ والضِّيق. انظر لسان العرب (3/ 107).
(¬4) التَّنْعِيمُ: موضعٌ بمكة فِي الحِلِّ، وهو بين مكة وسَرِفَ على فَرْسَخين من مكة. انظر معجم البلدان (1/ 458).

الصفحة 14