كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 2)

قُلْتُ: وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ضَعْفَ هَذَا الخَبَرَ أَنَّ عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- رُغْمَ قُوَّتِهِ، وَشِدَّتِهِ لَا يَسْتَطِيعُ وَحْدَهُ أَنْ يُقَاتِلَ كُلَّ قُرَيْشٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ -أَيْ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- (¬1) خَائِفًا، إِذْ جَاءَهُ العَاصُ بنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونَنِي أَنْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ، فَخَرَجَ العَاصُ، فَلَقَى النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابنَ الخَطَّابِ الذِي صَبَأَ، قَالَ: فَأَنَا لَهُ جَارٌ، لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فكَرَّ (¬2) النَّاسُ (¬3).
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ كُلَّمَا عَلِمَتْ بِأَحَدٍ يُرِيدُ الهِجْرَةَ آذَتْهُ، وَحَاوَلَتْ فِتْنَتَهُ أَوْ حَبْسَهُ، وَلذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَد يَجْرُؤُ عَلَى الخُرُوجِ إِلَّا خُفْيَةً.

* قِصَّةُ أَبِي جَهْلٍ مَعَ عَيَّاشٍ -رضي اللَّه عنه-:
وَلَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ خَرَجَ أَبُو جَهْلٍ بنُ هِشَامٍ وَأَخُوهُ الحَارِثُ (¬4) إِلَى عَيَّاشِ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ ابنَ عَمِّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمِّهِمَا، حَتَّى قَدِمَا المَدِينَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يَزَالُ بِمَكَّةَ، فَكَلَّمَ أَبُو جَهْلٍ عَيَّاشًا، وَقَالَ لَهُ:
¬__________
(¬1) وهذا الحادث حدث عندما أسلم عمر -رضي اللَّه عنه-.
(¬2) الكَرُّ: الرجوع. انظر لسان العرب (12/ 64).
(¬3) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه فِي قصة إسلام عمر -رضي اللَّه عنه- كتاب مناقب الأنصار - باب إسلام عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- رقم الحديث (3864).
(¬4) الحارث بن هشام أخو أبو جهل، أسلم -رضي اللَّه عنه- في فتح مكة وحسن إسلامه.

الصفحة 21