كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 2)

تَأْكُلُ القُرَى (¬1)، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ (¬2)، وَهِيَ المَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ (¬3) خَبَثَ (¬4) الحَدِيدِ" (¬5).
ثُمَّ إِنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمَرَ جَمِيعَ المُسْلِمِينَ بِالهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا" (¬6). فَخَرَجُوا أَرْسَالًا (¬7)، مُتَخَفِّينَ، مُشَاةً، وَرُكْبَانًا.
¬__________
(¬1) قال الحافظ في الفتح (4/ 572): أي تغلبهم، وكنى بالأكلِ عن الغَلَبة، لأن الآكل غالِبُ على المَأْكول.
وقال ابن بطالٍ فيما نقله عنه الحافظ في الفتح (4/ 572): معناهُ يفتَحُ أهلها القُرى فيأكلون أموالهم ويَسْبُون ذَرَارِيهم، قال: وهذا من فَصِيح الكلام، تقول العرب: أكلنَا بلَدَ كذا إِذَا ظَهَرُوا عَلَيْهَا.
(¬2) قال الحافظ في الفتح (4/ 572): أي أَنَّ بعضَ المنافقِين يُسَمِّيها يثرب، واسمُها الَّذي يَلِيقُ بها المدينة، وفَهِمَ بعض العلماء من هذا كرَاهة تسمية المدينةِ يَثْرِب، وقالوا: ما وَقع في القرآن وهو قوله تعالى في سورة الأحزاب آية (13): {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}. إنما هو حِكَايَةٌ عن قول غَيْر المؤمنين.
(¬3) الكِيرُ: هو الزِّقُّ الَّذي يُنْفَخُ بهِ النار. انظر فتح الباري (4/ 573) - والنهاية (4/ 188).
(¬4) الخَبَثُ: هو الوَسَخُ الَّذي تُخرجه النار. انظر فتح الباري (4/ 573).
(¬5) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب فضائل المدينة - باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس - رقم الحديث (1871) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب المدينة تنفي شِرَارها - رقم الحديث (1382).
(¬6) انظر سيرة ابن هشام (2/ 81).
(¬7) أرسالًا: أي جماعات وفِرَقًا متقطعة بعضهم يتلو بعضًا. انظر لسان العرب (5/ 212).

الصفحة 9