كتاب معجم التوحيد (اسم الجزء: 2)
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية حديث أبي ذر حين سابَّ رجلًا فعيَّره بأمه، فأتى الرجلُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنك امرؤ فيك جاهلية". فقال - رحمه الله -: "ففي هذا الحديث أن كل ما كان من أمر الجاهلية فهو مذموم؛ لأن قوله "فيك جاهلية" ذم لتلك الخصلة، فلولا أن هذا الوصف يقتضي ذم ما اشتمل عليه لما حصل به المقصود.
وفيه: أن التعيير بالأنساب من أخلاق الجاهلية.
وفيه: أن الرجل - مع فضله وعلمه ودينه - قد يكون فيه بعض هذه الخصال المسماة بجاهلية، ويهودية، ونصرانية، ولا يوجب ذلك كفره ولا فسقه" (¬١).
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع" يدخل فيه كل ما كانوا عليه من العبادات والعادات، ولا يدخل فيه ما كانوا عليه من الجاهلية وأقره الله تعالى في الإسلام كالمناسك والدية والقسامة، لأن أمر الجاهلية معناه المفهوم منه ما كانوا عليه مما لا يقره الإسلام فيدخل في ذلك كل ما كانوا عليه وإن لم ينه في الإسلام عنه بعينه" (¬٢).
وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: مُلحِد في الحرم، ومُبتَغٍ في الإسلام سنة جاهلية، ومُطَّلِب دمَ امرئ بغير حق ليهريق دمه" (¬٣).
وقال ابن تيمية - رحمه الله -: "والسنة الجاهلية: كل عادة كانوا عليها. فإن السنة: هي العادة، وهي الطريق التي تتكرر، لتتسع لأنواع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [آل عمران: ١٣٧]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" والاتباع هو الاقتفاء والاستنان. فمن
---------------
(¬١) الاقتضاء ١/ ٢٢٠.
(¬٢) مختارات من اقتضاء الصراط المستقيم ضمن مجموع فتاوى ابن عثيمين ٧/ ١٧٤.
(¬٣) أخرجه البخاري (٦٨٨٢).
الصفحة 7
632