كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت محيي الدين عبد الحميد (اسم الجزء: 2)

ألم تر تغليس الرّبيع المبكّر «1»
ولو أخذت في تعداد قصائد الشعراء في الأغراض التي أشار إليها وخصّ بها الكاتب لأطلت وذكرت الكثير الذي يحتاج إلى أوراق كثيرة، وكل هذه الفروق التي نصّ عليها وعدّدها فليست بشيء، ولا فرق بين الكتابة والشعر فيها.
والذي عندي في الفرق بينهما هو من ثلاثة أوجه:
الأول: من جهة نظم أحدهما ونثر الآخر، وهذا فرق ظاهر.
الثاني: أن من الألفاظ ما يعاب استعماله نثرا، ولا يعاب نظما، وذلك شيء استخرجته، ونبهت عليه في القسم الأول المختص باللفظة المفردة في المقالة الأولى من هذا الكتاب «2» ، وسأعيد ههنا منه شيئا؛ فأقول:
قد ورد في شعر أبي تمام قوله:
هي العرمس الوجناء وابن ملمّة ... وجأش على ما يحدث الدّهر خافض
وكذلك ورد في شعر أبي الطيب المتنبي، كقوله:
ومهمه جبته على قدمي ... تعجزعه العرامس الذّلل
فلفظة المهمه والعرامس لا يعاب استعمالها في الشعر، ولو استعملا في كتاب أو خطبة كان استعمالها معيبا، وكذلك ما يشاكلهما ويناسبهما من الألفاظ؛ وكل ذلك قد ضبطته بضوابط وحددته بحدود تفصله من غيره من الألفاظ؛ فليؤخذ من المقالة الأولى، ولولا خوف التكرار لأعدته ههنا.
الثالث: أن الشاعر إذا أراد أن يشرح أمورا متعددة ذوات معان مختلفة في شعره واحتاج إلى الإطالة بأن ينظم مائتي بيت أو ثلاثمائة أو أكثر من ذلك فإنه لا يجيد في الجميع، ولا في الكثير منه، بل يجيد في جزء قليل، والكثير من ذلك

الصفحة 396