كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 2)

يعني اذكر هذا اليوم الذى ينقسم فيه الناس إلى هذين القسمين، ويحتمل أنها متعلقة بالخبر؛ لقوله: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٠٥] يعني لهم عذاب عظيم في ذلك اليوم.
وقوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} الابيضاض معروف أي تكون بيضاء، وهذه الوجوه التي تكون بيضاء هي وجوه المؤمنين، وتختص هذه الأمة بأنها يكون لابيضاضها نور تُعرف به يوم القيامة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "سيما ليست لغيركم، تدعون يوم القيامة غرًا محجلين من أثر الوضوء" (¬١).
وقوله: {تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}:
قد يبدو للإنسان من أول وهلة أن هذين القسمين متساويان، ولكن هذا غير مراد، وذلك لأن أكثر بني آدم من أهل النار، وجوههم مسودة -والعياذ بالله- فإن من بني آدم تسعمائة وتسعة وتسعين كلهم في النار وواحدًا من الألف في الجنة كما صحَّ بذلك الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬٢).
وقوله: {وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} أي تكون سوداء، وسبب هذا الابيضاض والاسوداد -والله أعلم- أنه مما يبشّر به هؤلاء ويوبخ به هؤلاء، فإن المؤمنين يبشّرون إذا بعثوا من قبورهم برحمة الله عزّ وجل وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون، وأما
---------------
(¬١) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب فضل الوضوء والغر المحجلون من أثر الوضوء، رقم (١٣٦). ورواه مسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء بلفظه، رقم (٢٤٧).
(¬٢) رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحج، رقم (٣١٦٩). ورواه أحمد في مسنده، رقم (١٩٤٠٠).

الصفحة 26