كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 2)

يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك: ٨، ٩]، ويوبخون أيضًا بعد ذلك كما في قوله تبارك وتعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] فإنهم يوبخون أيضًا في حال دخولهم النار ومكثهم فيها ما شاء الله وطلبهم أن ينجوا منها.
قوله: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} المراد بالإيمان هنا إيمان الفطرة؛ لأن كل مولود يولد على الفطرة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (¬١). ويحتمل أن يكون المراد بالإيمان الإيمان الفطري الاختياري، وتكون الآية في سياق من يرتد بعد إيمانه، لكن الأول أولى لأنه أعم.
قال: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}:
(العذاب) أي البدني والنفسي، أي مسّه، والذوق هنا ليس ذوقًا باللسان بل هو ذوق بالبدن كله؛ لأن الذوق قد يكون باللسان، وقد يكون بالقلب، وقد يكون بالبدن، فقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا" (¬٢) المراد به ذوق القلب لا ذوق اللسان، وإذا قيل: ذاق الثمرة،
---------------
(¬١) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم (١٣٨٥). ورواه مسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، رقم (٢٦٥٨).
(¬٢) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا فهو مؤمن وإن ارتكب المعاصي الكبائر، رقم (٢٤).

الصفحة 28