كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 2)
دائمًا نتكلم على قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ونستشهد بقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إذا سمعت الله يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك -يعني استمع لها- فإما خيرًا تؤمر به، وإما شرًّا تنهى عنه". وقلنا: إن الله تعالى إذا صدَّر الخطاب بهذا فهو دليل على العناية به.
ووجهه: أنه صدّره النداء الذي يفيد تنبيه المخاطب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ثم إذا كان النداء بوصف الإيمان كان دليلًا على أنَّ ما يأتي بعده من مقتضى الإيمان؛ لأنه لولا أنه من مقتضاه ما صدّر الخطاب لمن يوجه إليه بلفظ الإيمان. فكأنه قال: (يا أيها الذين آمنوا بإيمانكم افعلوا كذا وكذا)، أو: (لإيمانكم لا تفعلوا كذا وكذا).
ثانيًا: يدل على أن مخالفة ذلك من "نواقض الإيمان" أو من "نواقص الإيمان"، إن كان الشيء من "أصول الدين" مثل (يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله) فإن مخالفته من "نواقض الإيمان".
وإن كان في "فرع من فروع الدين" فإن مخالفته من "نواقص الإيمان"، مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة: ١١] لو لم يتفسح الإنسان لم نقل: إنه كافر، بل نقول: إنه مخالف للأمر، وإيمانه ناقص؛ لأن مقتضى الإيمان أن يفعل ما أمر الله به حيث وجّه الله له هذا الأمر بوصف الإيمان.
ثالثًا: أنه يفيد الإغراء، يعني: إغراء الإنسان وحثّه على أن يفعل ما وجِّه إليه من الأمر أو النهي؛ لأن الإنسان إذا وصف بوصف فإنه يغريه هذا الوصف، فإذا قيل لشخص: يا أيها الكريم "جُد" على هذا، فمعناه: أنك تغريه وأنه لكرمه لابد أن يجود، ولهذا لما قيل للمتنبي حين أحجم في مجال القتال: ألست القائل:
الصفحة 600
608