كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 2)

والصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل
وهذا شيء مجرب دائمًا، إذا صبر الإنسان ظفر، ولاسيما إذا قرن صبره باحتساب الأجر على الله عزّ وجل، فإنه يكون في ذلك الثواب والعاقبة الحميدة.
وقوله: {وَصَابِرُوا} المصابرة تكون من اثنين، ولهذا جاءت على وزن فاعل، كقاتل وجاهد، فصابر أيضًا لابد من شخص آخر يضادك فصابِرْه.
"الصبر الأول": لا أحد يضادك في الشيء إنما هو شيء بينك وبين نفسك تصبر.
"الصبر الثاني": إنسان يضادك ويثيرك ويعتدي عليك فصَابِرْه .. بمعنى غالبه بالصبر، وهذا يكون في ملاقاة الأعداء. فالعدو يصابرك وأنت تصابره، ولكن الله تعالى قد سلا عباده المؤمنين فى قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء: ١٠٤]، أنت إذا جُرِحت تتألم وهو إذا جرح يتألم بلا شك، {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: ١٠٤] فرق عظيم، فالذي يرجو من الله عزّ وجل هذا الثواب على ما حصل له يهون عليه هذا الشيء، حتى إنه أحيانًا لا يشعر به من شدة احتسابه الأجر على الله عزّ وجل.
إذن الصبر: حبس النفس مع غير مصابر، وتكون على ما لا يلائم الإنسان وما يشق عليه. والمصابرة: مع شخص مضاد يصابِرُك ويصبر عليك على معاندتك وعلى مضادتك فأنت تصبر، وقد قال الله عزّ وجل: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: ٤٣].
أما قوله: {وَرَابِطُوا} المرابطة: أخص المصابرة، يعني

الصفحة 602