كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 2)

رابطوا على الطاعات، ومن ذلك ما بيَّنه النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد" (¬١)، إسباغ الوضوء على المكاره، يعني: في أيام البرودة، فإن الإنسان إذا أسبغ الوضوء، يعني: أتمه وأكمله دلَّ هذا على إيمانه بالله عزّ وجل وعلى شدة تصديقه ورجائه لثواب الله.
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: (كثرة الخطا إلى المساجد) فإن الإنسان إذا ذهب إلى المسجد البعيد الذي يحتاج إلى كثرة الخطا دلَّ هذا على مرابطته في الخير ومثابرته عليه، وعلى صدق الإيمان في قلبه، ولهذا يذهب إلى المسجد ولو كان بعيدًا، ويتردد إليه على الأقل في اليوم والليلة خمس مرات، هذا أيضًا يدل على المرابطة على الخير.
ومن المرابطة: المرابطة في الثغور، لكنها غير موجودة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام "لم توجد مرابطة"، يخرج النبي عليه الصلاة والسلام إلى العدو ويغزو ويرجع، لكن بعد ذلك لما فتحت الفتوحات وانتشر الإسلام في أقطار الأرض بعد ذلك صارت المرابطة، واحتاج المسلمون إلى مرابطة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة إلى الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ثلانًا" (¬٢)، لأن الرباط على الحدود الإسلامية غير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم قال: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}: أي من أجل أن تفلحوا.
---------------
(¬١) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، رقم (٢٥١).
(¬٢) تقدم تخريجه في الحديث السابق.

الصفحة 603