كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 2)

فلابد أن تتفرق؛ لأنه لا يكون لهم في هذه الحال كلمة جامعة، كل واحد يعمل على هواه لأنه ما يُدعى إلى الخير، والنفوس لها نزعات متباينة مختلفة، وكذلك أيضًا إذا لم يكن أمر بمعروف ولا نهي عن منكر تفرق الناس ولابد؛ لأن هذا يريد الزنا، وهذا يريد شرب الخمر، وهذا يريد السرقة، وهذا يريد أشياء غير الأولى فيحصل التفرق، فإذا أمروا بالمعروف صاروا كلهم على المعروف، وإذا نهوا عن المنكر صاروا كلهم على ترك المنكر.
قال: {كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} مثل من قال فيهم: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: ٤] وأول من مثّل بهم أهل الكتاب [اليهود والنصارى] حيث اختلفوا اختلافًا عظيمًا من بعد ما جاءتهم البينات، فنهانا الله تعالى أن نكون مثلهم في التفرق والاختلاف.
{مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} وإذا نُهينا عن ذلك فهو أمر بضده، يعني إذا نُهينا عن التفرق والاختلاف فهو أمر بالاجتماع والائتلاف، الاجتماع ضد التفرق، والائتلاف ضد الاختلاف، كأن الله يقول: اجتمعوا وائتلفوا، ولا يكن فيكم افتراق ولا اختلاف فتكونوا مثل اليهود والنصارى.
{تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} تفرقوا في أبدانهم ولم يجتمعوا، وصاروا أحزابًا، واختلفوا في قلوبهم وفي مناهجهم، فصار لكل حزب منهجٌ معين يفرح به ولا يتزحزح عنه، ويرى أن من سواه على ضلال.
قال تعالى: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أشار إليهم بصيغة البعد لأن أولاء اسم إشارة للبعيد، وذلك لانحطاط مرتبتهم،

الصفحة 9