كتاب تفسير العثيمين: المائدة (اسم الجزء: 2)

الأولى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}، على أن (عَبَدَ): فعل ماض، فيها ضمير مستتر يعود على (مَنْ) في قوله: {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ} والطاغوتَ: مفعول به يعني عبد عبادة الطاغوت، وعلى هذا فتكون معطوفة على صلة الموصول، وهو قوله: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ}.
والقراءة الثانية: {وعَبُدَ الطاغوتِ}، لكن يكون على هذه القراءة الطاغوت بالجر، على أن عَبُدَ: اسم مفرد، كما يقال: السبَع والسبُع، فيقال: العَبْدُ، والعَبُدُ فهما لغتان، وعلى هذه القراءة نقول: عبُد الطاغوتِ، وتكون معطوفة على القردة، يعني: وجعل منهم عبد الطاغوت، وأهل الكتاب عبدوا الطاغوت باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، فإن الله قال عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} [التوبة: ٣١] قال عدي بن حاتم رضي الله عنه للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله لسنا تعبدهم؛ فَبَيَّنَ أن طاعتهم في معصية الله هي عبادتهم (¬١).
وقوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} أي: عبده عبادة بركوع وسجود وطاعة فيما يأمر، والمراد بالطاغوت ما ذكره ابن القيم رحمه الله بتعريف من أجمع التعاريف قال: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فكل إنسان يتجاوز الحد في عبادة أحد غير الله فهذا المعبود طاغوت، وكل إنسان يتجاوز الحد في اتباع
---------------
(¬١) رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، حديث رقم (٣٠٩٥) عن عدي بن حاتم.

الصفحة 86