كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)
[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ خَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا وَرَدَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ
خَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا وَرَدَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، كَخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ (١) فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ، وَخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَخَبَرِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الرُّكُوعِ، وَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا وَنَحْوِهِ، مَقْبُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ (٢) وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ النَّصُّ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْمَعْقُولُ، وَالْإِلْزَامُ، أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} أَوْجَبَ الْإِنْذَارَ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ خَرَجَتْ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَإِنْ كَانَتْ آحَادًا، وَهُوَ مُطْلَقٌ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَمَا لَا تَعُمُّ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبُ الْقَبُولِ لَمَا كَانَ لِوُجُوبِهِ فَائِدَةٌ، وَتَقْرِيرُهُ كَمَا سَبَقَ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقَتْ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، حَتَّى رَوَى لَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَانْتَهَيْنَا» .
وَمِنْ ذَلِكَ رُجُوعُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ إِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُهَا «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاغْتَسَلْنَا» .
وَمِنْ ذَلِكَ: رُجُوعُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي سُدُسِ الْجَدَّةِ لَمَّا قَالَ لَهَا " لَا أَجِدُ لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا " إِلَى خَبَرِ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَهَا السُّدُسَ» وَصَارَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
---------------
(١) حَدِيثُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ، اشْتُهِرَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ عَنْ غَيْرِ بُسْرَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ بَيْنِهِمْ فِيمَا عَرَفْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَلْيُنْظُرْ
(٢) تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ تَعْلِيقًا فِي صَفْحَةِ ١٠٦
الصفحة 112